من شكرك، فإنه لا زوال لنعمة إذا شكرت، ولا دوام لها إذا كفرت " (?) وقال بعض أهل العلم: كل نعمة يمكن شكرها إلَّا نعمة الله تعالى فإن شكر نعمته نعمة منه، فيحتاج العبد أن يشكر الثاني كشكره الأول، وكذلك الحال في الثالث والرابع، وهذا يؤدي إلى ما لا يتناهى، ولذلك قال موسى - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم أمرتني بالشكر على
نعمتك، وشكري إيَّاك نعمة من نعمك " ومن هذا أخذ الشاعر فقال:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... عليَّ له في مثلها يجب الشكرُ
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمرُ
ولهذا قيل: غاية شكر اللَّه تعالى الاعتراف بالعجز عنه، بل قد قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) وأيضًا فكل ما يفعل الله بعبده فهو منه
نعمة وإن كان قد يعد ذلك بلية، ولذلك قال بعض الصالحين: يا من منعه عطاء وبلاؤه نعماء؛ ولأجل صعوبة شكره قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
ولم يثن بالشكر على أوليائه إلا على اثنين منهم، قال في إبراهيم: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ)
فخص اللَّه تعالى لفظ الأنعم الدال على أدنى العدد، وقال في نوح:
(إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) .
واعلم أن الشكر والصبر جماع الإيمان، كما روي في الخبر، وقد روي: " الصبر نصف الإيمان ".
لكن قد قال بعض المتصوفة: الشكر أفضل من الصبر، فإن الصبر
حبس النفس على مسالمة البلاء، والشكر أن لا تلتفت إلى البلاء، بل يراه من النعماء، فمن صبر فقد ترك إظهار الجزع، ومن شكر فقد تجاوز إلى إظهار السرور بما جزع له الصابر، وأيضًا فالصبر هو ترك للعمل السئ، والشكر إظهار الفعل الحسن، وليس من ترك قبيحًا كمن فعل حسنًا وجميلًا، وقابل تعالى الشكر بالمجازاة، فعل الحبيب بحبيبه، فقال تعالى: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)
وقابل الصبر