وَكلما كثر توجهه إِلَيْهَا كثر ضوؤه حَتَّى يَصِيرَ بَدْرًا فَكَذَلِكَ الْعَالِمُ كُلَّمَا كَثُرَ توجهه للنَّبِي وإقباله عَلَيْهِ توفر كَمَاله وَثَانِيهمَا أَنَّ الْعَالِمَ مَتَى أَعْرَضَ عَنِ النَّبِيِّ بِكُلِّيَّتِهِ كَسَفَ بَالُهُ وَفَسَدَ حَالُهُ كَمَا أَنَّ الْقَمَرَ إِذَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ كَسَفَ خِلَافًا لِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْعُلُومَ تُتَلَقَّى بِالتَّوَجُّهِ وَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى النُّبُوَّة وثالثهما أَنَّ الْكَوْكَبَ مَعَ الْبَدْرِ كَالْمَطْمُوسِ الَّذِي لَا أَثَرَ لَهُ وَضَوْءُ الْبَدْرِ عَظِيمُ الْمَنْفَعَةِ مُنْتَشِرُ الْأَضْوَاءِ مُنْبَعِثُ الْأَشِعَّةِ فِي الْأَقْطَارِ بَرًّا وَبَحْرًا وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْعَالِمِ وَأَمَّا الْعَابِدُ فَالْكَوْكَبُ حِينَئِذٍ لَا يَتَعَدَّى نُورُهُ مَحَلَّهُ وَلَا يَصِلُ نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ الثَّالِثُ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذُكِرَ لَهُ رَجُلَانِ عَالِمٌ وَعَابِدٌ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام
وَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى وَمَلَائِكَته وَأهل السَّمَوَات وَالْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ خَيْرًا وَهَذَا الْحَدِيثُ أَبْلَغُ مِنَ الأول بِكَثِير جدا فَإِن فَضله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أَدْنَاهُمْ أَعْظَمُ مِنْ فَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى الْكَوَاكِبِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً الرَّابِعُ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ
مَا جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ فِي الْجِهَادِ إِلَّا كَنُقْطَةٍ فِي بَحْرٍ وَمَا جَمِيعُ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْجِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ إِلَّا كَنُقْطَةٍ فِي بَحْرٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْخَبَرِ
يُوزَنُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ وَدَمُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَرْجَحُ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ عَلَى دَمِ الشُّهَدَاءِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَعْلَى مَا لِلشَّهِيدِ دَمُهُ وَأَدْنَى مَا لِلْعَالِمِ مِدَادُهُ فَإِذَا رُجِّحَ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَمَا الظَّنُّ بِالْأَعْلَى مَعَ الْأَدْنَى