الثَّالِثُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما} وَعَادَةُ الْعَرَبِ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ تَأْخِيرُ الْأَفْضَلِ وَتَقْدِيمُ الْمَفْضُولِ عَلَى الْأَفْضَلِ فَتَكُونُ مَوْهِبَتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْعِلْمِ أَفْضَلَ مِنْ مَوْهِبَتِهِ مِنَ الْإِنْزَالِ الْمُتَضَمِّنِ لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَهَذَا شَرَفٌ عَظِيمٌ شَبَّ فِيهِ عَمْرٌو عَنِ الطَّوْقِ الرَّابِعُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَمر الهدهد {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} فَلَمَّا جَاءَ الهدهد قَالَ {أحطت بِمَا لم تحط بِهِ} فاشتدت نَفْسُهُ وَاسْتَعْلَتْ هِمَّتُهُ بِمَا عَلِمَهُ عَلَى سَيِّدِ أَهْلِ الزَّمَانِ وَرَسُولِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ مَعَ عِظَمِ مُلْكِهِ وَهَيْبَةِ مَجْلِسِهِ وَعِلْمِ الْهُدْهُدِ بِحَقَارَةِ نَفْسِهِ وَمَا تَقَرَّرَ عِنْدَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ جَرِيمَتِهِ وَالْعَزْمِ عَلَى عُقُوبَتِهِ فَلَوْلَا أَنَّ الْعِلْمَ يَرْفَعُ مِنَ الثَّرَى إِلَى الثُّرَيَّا لَمَا عَظُمَ الهدهد بعد أَن كَانَ يود أَن لَو كَانَ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَلَا جَرَمَ أَبْدَلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ بِالْإِكْرَامِ النَّفِيسِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ خِلَعَ الرِّسَالَةِ إِلَى بِلْقِيسَ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ مَا فِي الْمُوَطَّأ من يرد الله خيرا يفقه فِي الدِّينِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْصُورٌ فِي الْخَبَرِ وَالشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ مَحْصُورٌ فِي مَشْرُوطِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْخَيْرُ مَحْصُورٌ فِي الْمُتَفَقِّهِ فَمَنْ لَيْسَ بِمُتَفَقِّهٍ لَا خَيْرَ فِيهِ الثَّانِي مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهَا عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ

وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015