البلاغة وآخرها، في سحاءة طولها فتر، وعرضها ظفر؛ ولا غرو فمن علم الأصول استنبط الفروع، ومن انتقى القليل استغنى عن شغب الجموع؛ ولذلك جعلته إماماً أحتذيه، ومثالاً أماثله وأقتفيه. ولو أسهبت هكذا أبداً ما بلغت غاية الوصف، ولا أعطيته من حقه النصف.

وله من أخرى فيمن حمل القلنسوة وأنهض إلى الشورى، وخاطب بها قاضي قطره: لم يغب عنك - زاد الله في توفيقك - رحلة أحد القائمين بنشر علاك، المطيبين محاضرهم بطيب ذكراك، الفقيه أبي فلان أبقاه الله، وأنه هجر الوطن على خصبه، ووصل منزل الغربة على جدبه، متكرراً إلينا، ومدارساً علينا، باصغرين أكبرين: قلب أصمع، ولسان مصقع، فما مطلته بحمد الله الأيام، ولا سوفته الأعوام، حتى لحق بالمرتبة التي تفصل بها القضية الشنعاء، وتسمع النازلة الصماء؛ وحتى أفضى إلى المنزلة التي تقتضي تعصيبه بالشورى، وإلحاقه بعداد أهل الفتيا، تطبيقاً للمفصل، وتبييناً للمشكل؛ وعند ذلك ما رأينا إنهاضه إليها، وأن يتزيا بزي أهلها عمن سواه، وحملناه على التزامه دون كل زي عداه، على ما أنت الحري بحمله عليه كما حملناه. ولما كان مثلك في سرورك، وميلك إلى المجد وصغوك، لا يعلم كيف يبني المجد ويشيده، ولا كيف يمهده وينجده، كما لا يعلم الفم التبسم، ولا اللسان التكلم، كان واجماً أن يكتفى بيسير العبارة، وقليل الإشارة، ومهما زدته من كريم رعاية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015