وله من أخرى: خاطب بها بعض إخوانه سنة ست عشرة وأربعمائة: سمت بك سماء العلم إلى سموه، ودنت بك أرض السكينة إلى دنوه، ودار بك فلك المعرفة في ملكوته، وغابت بك نجوم الحكمة في جبروته، وهيأتك يد القدرة هيئة روحانية، وأحياك روح القدس حياةً إلهية، وألبستك الشريعة لباس التقوى، وراشتك الطبيعة بريش النهى، حتى تطير مع الروحانيين، في مجال الصديقين، إلى منازل المقربين، فتذوق برد عيش النعيم، وتلذ بالنظر إلى وجه القيوم، وتشتاق إلى لقاء الرب الرحيم. هيهات! كيف ينعم من لا يعلم أين النعيم، من ملك القديم -! إن لله يا أخي عباداً أقام أرواحهم بقيوميته على صراط مستقيم، فمشت بأقدام الصدق إلى الحق، فدنت منه، فنظرت إليه على جلاله، في اتساع كماله، فضعفت لكبر سلطانه؛ ثم أفاقت بالإسلام، ونطقت بالإيمان، وأبصرت بالإحسان، واتصلت بالقرآن، فأمرها فقامت بالخدمة، وعلمها ففازت بالحكمة، فانقطعت إليه بالكلية، ودانت له بالحنيفية، فآواها إلى كنفه، ونعمها بطرائف تحفه؛ فملكها أبداً لا يبيد، وعلمها به يزيد؛ حتى أطلع لها السر، وأكمل لها البر، فحييت بقربه، وشربت بكأس حبه، فرفضت الأسباب، وخرقت الحجاب؛ وبيض وجوهها البرهان، وأثلجها البيان، {وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة} (القيامة: 22) فرحمانهم علامهم، وجبارهم رزاقهم، خلاؤهم ملاء، وملاؤهم خلاء، وسماؤهم أرض، وأرضهم سماء، روحانيون جسمانيون إنسيون ملكيون، أولئك الأصفياء الاتقياء، الأولياء النجباء، أتاهم العون، فساعدهم الكون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015