من للتلاوة أو من للرواية أو ... من للبلاغة بعد العاد والبادي -

شق العلوم نظاما والعلا زهرا ... ثبين ما بين رواد ووراد

مضى ما أبقت وما أخذت ... أيدي الليالي من المفدي والفادي! وهذه القصيدة طويلة سلك فيها أبو محمد طريقته في الرثاء، إلى الإشارة والإيماء، بمن أباده الحدثان من ملوك الزمان، وقد نسق ذكرهم على توالي أزمانهم في قصيدة [اندرج له كثير من البديع فيها] ؛ هي ثابتة في أخباره في القسم الثاني من هذا المجموع. واقتفى أبو محمد أثر فحول القدماء، من ضربهم الأمثال في التأبين والرثاء، بالملوك الأعزة، وبالوعول الممتنعة في قلل الجبال، والأسود الخادرة في الغياض، وبالنسور والعقبان والحيات في طول الأعمار، وغير ذلك مما هو في أشعارهم موجود، فأما المحدثون فهم إلى غير ذلك أميل، وربما جروا أيضاً على السنن الأول.

وممن رثاه يومئذ الكاتب أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف أحد كتاب العصر، وفرسان النظم والنثر، رثاه بقصيدة أولها:

يبيح الحمام منيع الحجاب ... ويسري إلى المرء من غير باب

ولم أر أنفذ من سهمه ... وأفوز من قدحه بالغلاب

ألم تره كيف هد الهدى ... وأصمى العلا بأليم المصاب - ومنها:

فمن لخفايا حديث الرسول ... ومن لغوامض علم الكتاب -

ومن ذا يروي ظماء العقول ... ويشحذ البابهن النوابي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015