أيدي الفتن قد أزعجت أسلافنا عن الوطن، واغتصبت أملاكنا إلا أسماء، واستلبت جماهيرنا إلا اللفاء، فقد أعذرت إذ أبقت بأيدينا ما أبقى مياه الصون بزرقتها وجمامها، وزهرات السرو في غضارتها وكمامها. ولم أمتدح المعتصم طالب جدىً، ولا راغب ندىً؛ على أن جميعنا رائد في رياض إنعامه، ووارد في حياض إكرامه؛ ولكني منيت بقردةٍ حسدةٍ، أعجزتهم محاكاتي، وأعوزتهم محاذاتي، فوخزوا فضلي بمثل الأشافي، ورموا عرضي بثالثة الأثاقي.
وفي فصل: ولو أني من هذه الفرقة التي مزجني بها ظلمك، وضمني إليها هضمك، وعملت عملهم على حكمك، وسلكت سبلهم على زعمك، لكان لي في تشبثك الداني، وتعلقك المجاهدي، أسنى مؤتسى، وأهدى مقتدى، فللتسامي مناقل، وللترقي منازل؛ وإن جمعتني بهم الصفات، فقد أفردتني منهم الموصوفات، وما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة:
قد يبعد الشيء من شيء يشابهه ... إن السماء نظير الماء في الزرق وما كل معنى يضح، ولا كل دعوى تصح، كمثل ما تابعت إيراده، وشفعت ترداده، من أنك غرستني وبنيتني، وأقمتني وقومتني، وكلها عبارة تؤلم الأبي الحمي، واستعارة توهم السامع الشاسع، وإشارة تعجب الحاضر الناظر. ولست بمنكر معاضدتك في شأن الكتابين