وكسر من طرفه، ومدد الزفرة، وردد التلهف والحسرة، ثم قال: أفٍ للدنيا فما تزال تعنينا بمثل هذه الهنات. فلما شد على شعسه للانصراف أقبل على الخادم فقال:

قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا أما إنك لولا أن تكوني باهلية الضئضئ لعرفتك. ولكن سأودع عندك أرجاً يدل على موقفي في هذه البحبوحة. أنا العتكي الحسيب والنسب، وذو الهمة والأدب، فمن سألك فقولي ما شهدت، وحدثي عما عاينت، وما أراك تجدين ظاهراً تقيمين به فرض الثناء عليّ؛ اذهبي لا محفوظةً ولا مكلوءة. ثم انحدر فما علمنا ما كان منه.

@وله من مقامة حذفت بعض فصولها لطولها

قال في صدرها: إن صناعة الكتابة محنة من المحن، ومهنة من المهن؛ والسعيد من خدمت دولة إقباله، والشقي من كانت رأس ماله، والعاقل من إذا أخرجها من مثالبه لم يدخلها في مناقبه، لا سيما وقد تناولها [يد] كثير من السوق، وباعوها بيع الخلق؛ فسلوبها تاج بهائها، ورداء كبريائها، وصيروها صناعة يكاد الكريم لا يعيرها لحظه، ولا يفرغ في قالبها لفظه؛ إذ الحظ أن يعثر الكرام إذا ولي الأعلاج، وأن تستنعج الآساد إذا استأسدت النعاج. غير أنه من وسم بسمتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015