وقد برح به السهر، ولان لغفوته السمر، ولا بد من التخفيف عنه. فجرجر جرجرة العود الدبر، وتزيد من الحرج والضجر، وقال: بسل علينا معشر الأزد أن نفري ولا نخلق، أو نتوجه في أمر فلا نحقق. يا هذه، ليس هذا إيوان كسرى فنتزود لا ستخراج الحاجة به: المال والصبر والعقل؛ ومن العجب وقوفي معك منذ اليوم أضرب لك الأمثال، وأصرف المقال، وأنت لاهية عني، لا يعنيك أمري. أترين صاحبك شرب من الخمر أقداحاً، وسمع نوبات، فلما اعتدل مزاجه، وتوارت وجوه النوائب عنه، قال للدهر أدر دوائرك فإني لا أعبأ بك! - قد علمت علته؛ أقسم لو أن به ألف علة، تكون حياته من جميعها مختلة، لينفذن هذا الكتاب. قالت له الخادم: ويحك ما أجفاك من وافد الأزد! أين منك رقة الحجاز وفصاحة نجد - ما أقبح هذا العقوق، بمن شرب ماء العقيق، وأسوأ هذا الأدب، ممن ينتهي إلى ذؤابة العرب! فقال: يا لكعاء، إنك لتجادلينني عن نسي - وحياة ما نقلته من الخطى، وتجشمته من البيداء، لينفذن هذا الكتاب، أو لأشهدن عليه بالعصيان والتكاسل، والتواني والتثاقل؛ فمثلي لا يرد إلا بحزم، ولا يصدر إلا عن فضل. فقالت له الخادم: ما أسوأ تقديرك للأمور! لئن كان مخموراً خمار وصب، فهؤلاء الشهود معهم شرب، وعندهم طرب، وصاحب المدينة منه بنسب، وعلى صلة سب، فأين تذهب - فشمخ بأنفه