وحكى خادم باديس قال: رأيت جسد ابن عباس ثاني يوم قتل، ثم قال لي باديس: خذ رأسه مع جسده. فنبشت صداه وأضفته إلى جسده بجنب قبر أبي الفتوح قتيل باديس أيضاً. وقال لي: ضع عدواً إلى جنب عدوّ إلى يوم القصاص.
وحكي أن باديس وبلقين أخاه إذ طعنا يومئذ أحمد بن عباس ما وقع إلا عن سبع عشرة طعنة، وإنه لباقي الذماء طلق اللسان طامع في الحياة، فعجبا من قوة نفسه، وكان الظن أن يلفظها لأول طعنة، لفرط ترفهه وغضارة جسمه، فاغتاط باديس عند ذلك وأمر بقطع جسمه.
وحدثت من غير وجهٍ أن ابن عباس كان قد أولع قبل محنته ببيت من الشعر صيره هجيراه أوقات لعبه للشطرنج، أو معنى يسنح له، مستطيلاً بجده، ومكافياً بسعده، فيقول:
عيون الحوادث عني نيام ... وهضمي على الدهر شيء حرام وذاع بيته هذا في الناس وغاظهم حتى قلب له مصراع الأخير بعض الأدباء فقال " سوقظنا قدر لا ينام ". فما كان إلا " كلا " حتى تنبهت الحوادث لهضمه انتباهةً انتزعت منه نخوته وعزته، وغادرته أسيراً ذليلاً يرسف في وزن أربعين من قيده، منزعجاً من عضه لساقه البضة، التي طالما تألمت من ظغطة جوربه - غب يومٍ أصبح فيه أميراً