العمالقة غزلت صوفها زمن الفطحل، والأكاسرة تولت صباغها عام الصفر؛ كأنها الطيلسان الحربي، أو التبان السعدي. ولقيت الرجل وقد أحاط بي جمع، والتف علي قوم، فوقفت معه موقفاً كفاك الله خزيه، ولا وقفك مثله. وقد عهدتك تجري بميدان الفكاهة، وتنخرط في سلك الدعابة؛ فلما أسلم إليّ الكتاب ولحظت عنوانه، وحياني بلفظ لم أفهم لسانه، قلت: خبأها [أبو المغيرة] ورب الكعبة، وأهدى إليك بهذا الإنسان لعبة؛ ورماك عن قوس فكاهته بهيئة باذة، ودهاك من تماثيل خياله بطلعة شاذة؛ وسد تطييبك بسداد من ثغره، وطار إلى أفق تنديرك بجناح من هزله. فتماسكت وما كدت، ثم تجلدت؛ ولجأت إلى فض الكتاب، وابتغت نقلة لأستتر [بجملة أسباب] ؛ واعتصمت بعصمة خطه الموشي، ولفظه البالي؛ وصعدت في الكتاب وصوبت لأعمل لنفسي شغلاً، حتى رأيت النسب، وسمعت اللقب، فقلت: الرجل - لا محالة - عبري المنتمى، وشاهد الطلعة عدل مزكى، فوحق الطرب، وحرمة الأدب، لقد هممت أن أوفي الشطارة حقها، وأسم الخلاعة وسمها، فأجعل في يده عكاز قصبة خضراء، وفي رأسه قلنسوة بيضاء، وأضع على عاتقه خرجاً بنخالة، وأقيم من نفسي ومن حضر