له آفاق المعالي تجيب؛ ورث السيادة نجيباً عن نجيب، وكان الكرم فيه كالفرند في القواضب، والضياء في الكواكبن والصفاء في الماء، والروح في الأحياء وإن لم يحظ بك العيان، ولا أسعد بقربك الزمان؛ فالرؤية بالقلب لا بالعين، والقرب بالنفس على الدنو والبين؛ ومن كان مثالك نور ناظره، وخيالك سمير خاطره، فقد قاربك مقاربة الارتياح للأرواح، بل مازجك ممازجة الماء للراح. وإذا كان المعتقد من الإخوان أوفاهم ذمة، والمعتمد عليه في الحدثان أعلاهم همة، وأحق الناس بالوفاء وارثوه، وأشبه الأتباع لتبع بنوه، وقد أعلقت ودي منك من يزكو وده، وأوثقت عقدي بمن لا ينحل على الأيام عقده، فشاري ودك بنفسه رابح التجارة، ومضيع عهدك في أمسه فاحش الخسارة. وأنا أحمد يوماً وصلني بمعرفتك، وأذم دهراً قطعني عن صلتك، واعتقدك أكرم العقد، وأعدك للأهل والولد، ولا وسيلة إلا فهمك، ولا وصيلة إلا همك؛ فما أزور الرياض إلا تشوقاً إلى شيمك، ولا ألحظ السحاب إلا تخيلاً لكرمك.
وفيما يحكيه فلان [مردد] شكرك، ومطيب ذكرك، من مآثرك الزاهرة، ومفاخرك الباهرة، شائق يحوم طير القلوب عليك، وسائق يحدو بالنفوس إليك؛ وأنت أرق نفساً وطبعاً، وأكرم أصلاً وفرعاً، من أن يجمع علي بعدك وبعد كتابك، وفقدك وفقد خطابك.
وكتب إلى صديق وقد بعث تفاحاً: لو لم تكن نفسي لك، لأهديتها إليك، ولولا أنه حقك أثبته لديك، لجلوت وجه مودتي عليك، متوجاً بطيب الذكر يرفل في حلل الشكر؛ وما عسى أن يهدي الغريق في بحار برك، والمنقطع في مضمار شكرك! لكن لك الإبداء بالفضل والإعادة، ولي الاقتداء والجري على العادة، في إهداء الحقير إلى الخطير، ومقابلة الجليل بالقليل؛ فما قصرت مقدرته، من أطالت مكارمك معذرته.
ولكلفي بشمائلك الشمولة، وشغفي بخلائقك المعسولة، بعثت بما يحكيها ولا يدانيها، ويخبر برياه وطعمه عن بعض ما فيها، تفاح قطعت حمرته وصفرته من خجلات الخدود