قال: أخبرني القاضي أبو الوليد ابن الفرضي قال: تعلقت بأستار الكعبة وسألت الله الشهادة، ثم انحرفت وفكرت في هول القتل فندمت، وهممت أن أرجح فأستقيل الله ذلك فاستحييت. فمات مقتولاً رحمه الله في الفتنة أيام دخول البرابرة قرطبة سنة أربعمائة. قال أبو محمد ابن حزم: أخبرني من رآه بين القتلى يومئذ وهو في آخر رمق يقول: " لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك ".

كأنه يعيد على نفسه الحديث الوارد في ذلك، ثم قضى نحبه هنالك. وهذا الحديث في الصحيح، أخرجه مسلم بن الحجاح مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخبرني الفقيه المذكور عن الحميدي قال: أنشدني الفقيه أبو عمر ابن عبد البر، قال: أنشدني أبو الوليد [ابن] الفرضي شعره في طريقه إلى المشرق في طلب العلم، وكان كتب بها إلى أهله، حيث يقول:

مضت لي شهور منذ غبتم ثلاثة ... وما خلتني أبقى إذا غبتم شهرا

وما لي حياة بعدكم أستلذها ... ولو كان لم أكن بعده حرا

سأستعتب الدهر المفرق بيننا ... وهل نافعي أن صرحت أستعتب الدهرا

أعلل نفسي بالمنى في لقائكم ... وأستسهل البر الذي جبت والبحرا

ويؤنسني طي المراحل بعدكم ... أروح على أرضٍ وأغدو على أخرى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015