غشوم مسلط يوفيها حق إقدامها على من قادها إليه، لما قاومه نظير من أملاك أفقه، إذ يقول عدة دارعين ما بين أجناده وأمداده، ذوي ألسنة شتى، وبطارق أعزة تعرب عنهم التراجمة؛ لكنه سلطان الله يؤتيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء. وما أحسن ما تمثل به معاوية عندما أفاده جده بحظوة الخلافة دون عليّ رضي الله عنه الذي نازعه إياها، على بون ما بينهما، إذ قال وقد جرى ذكر عليّ رضي الله عنه وخيبة سعيه:

لئن كان أدلى خاطباً فتعذرت ... عليه وكانت رائداً فتخطت

فما تركته رغبةً عن جنابه ... ولكنها لآخر خطت فليت شعري ما الذي يقوله مهنئ ابن ذي النون بقفوله إلى حضرته، ويصوغه ممتدحه في تمجيده، مع ضيق تولجهما، عن معذرة ينحلانها له، واعتياص احتيالهما في تخليصه ن قبيح ما ركبه - إن وجوه التكذب لتخجل دون مقابلته، والله تعالى شهيد عليه، كفيل بجزائه.

فلما تولى ابن ذي النون وقفل لطيته، أصبح فؤاد سلطان قرطبة الرابض إلى جنبه فارغاً من همه، مسترجحاً لرأيه، حامداً لجده، واثقاً بدوام ملكه، يرى أن قد فاز بحظه، بإيقاد نار الفتنة بين ابن ذي النون وابن عباد قرنه، وأنه مخير في التشبث بها، والانفصال عنها، متى شاء وكيف ارتأى. فاشتد جذله، واسترخى لببه، وارتاح إلى منصرف من عنده من رجل ابن عباد الثقال عليه، كيما يخلو بشأنه. فجعل يدس إليهم من يعرض، ويقطع تعدهم، وهم يرونه الحرص على الانطلاق عنه، والاستبطاء لإذن أميرهم لهم وقد كاتبوه، ويأخذون في التأهب لمسيرهم، ويعدون من ذهب إلى السفر معهم بوشك رحيلهم، وسرى القين أولى بهم. وقد سرى بين قوادهم وكبار من جاورهم من أهل البلد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015