الصنيعة، تاركاً للمواساة، شرهاً إلى الحطام الدنيوي، عطلاً من جميع التعاليم المحظية، لا يجيل في شيء منها قدحاً، ولا يقيم لسانه لحناً؛ وكان قد عضه صرف الزمان المتقلب بأهل بلده فأقعده إلى الأرض، واضطره إلى التوكل على مساحته، مرقحاً معيشته بعمارة بستانه، إلى أنعطف الدهر عليه بصحبة متوثبي السلاطين المنتزين على الأقطار وسط الفتنة، فخاض معهم، وصار أخص من مارسها، وشاطر السلطان خطة المواريث، ولزمه العمل على ذلك فسلخها نيفاً على عشرين سنة، مرى فيها درتها من غير تعقب ولا توقع عزلة، إلى أن تولت ذلك منه المنية، وقد اقتعد الثرى مطية.
فصل:
وتوفي الفقيه النبيه، السريالمغفل، المجتمع على كمال خصاله، المتفق على كمال خلاله، بقرطبة، أبو القاسم سوار بن أحمد، ختام رجال المملكة بها، وسوار معصمها لدى أيام الزينة، وكان حليماً وقوراً ركيناً، مطلق البشر، حسن المشاركة، متودداً إلى الناس، وجيهاً إلى السلطان - على انزوائه عنه، وقد أراده أمراء التصرف فاستعفاهم، فخلوه واختياره، وكسوه أثواب الوزارة فنضاها، ولم يعج عليها ولا ارتضاها، حتى سقط