ووصلت القول فيما فاتني قبل من ذكر انبعاث تلك الفتنة، وأخبار ملوكها، ومشهور حروبها، مما أصبت به عندي تذكرة، أو أخذته عن ثقة، أو وصلتني به مشاهدة، أو حاشته إليّ مذاكرة؛ حتى نظمت أخبارها إلى وقتي مكملة، وجئت بها على وجوهها، وأوردتها على سبوغها؛ ناشراً مطاويها، ومعلناً بخوافيها، غير محاب ولا حائف في الصدق عليها، سالكاً سبيل من ائتسيت به من مستأخري أصحاب التاريخ بالمشرق، كأبي محمد الحصني، وأبي بكر ابن القواس القاضي، والفرغاني، ونظائرهم من أعلام الفقهاء الذين لحقوا الفتنة الحادثة عندهم بالمشرق بعد الثلاثمائة، من تصريحهم بأخبار أمرائهم المتوثبين على المملكة عند وهن متقلدي الخلافة فيهم. فلأمر ما اعتنوا بذكر أخبار الأعاجم هناك من الديلم والأتراك، مع عدم الفائدة فيها وتفشي العار بوجوهها، وبعدها مما كتبه من قبلهم من أخبار ملوك العرب صدر الإسلام لفظاً ومعنى، وعقداً ومبنى؛ حتى توسعوا في ذكرها، وتناعوا في التنقير عنها. وإن ذلك لا محالة كان لاستغرابهم شأنها، وإكبارهم مجيء الزمان بمثلها، وإشارتهم إلى أنها طرقت هادمة لما بنته الدنيا، مغيرةً لمحاسنها، مزهدة فيها، مؤذنة بانقطاعها، كي يكون البقاء لمن تفرد بجبروته، ويدوم البهاء لمن لا تتساط الغير على ملكوته.