كان الخروج من جد إلى هزل، ومن حزنٍ إلى سهل، أنفى للكلل، وأبعد من الملل؛ وقد قال أبو العتاهية (?) :
لا يصلح النفس إذ كانت مصرفةً إلا التنقل من حالٍ إلى حال
وفي فصل (?) :
ومعلوم أنه ما انجذبت نفس، ولا اجتمع حس، ولا مال سر، ولا جال فكر، في أفضل من معنى لطيف، ظهر في لفظ شريف، فكساه من حسن الموقع قبولاً لا يدفع، وأبرزه يختال من صفاء السبك ونقا السلك وصحة الديباجة وكثرة المائية في أجمل حلة، وأجل حلية.
والمعنى إذا استدعى القلوب إلى حفظه، بما ظهر في مستحسن لفظه، من بارع عبارة، وناصع استعارة، وعذوبة مورد، وسهولة مقصد، وحسن تفصيل، وإصابة تمثيل، وتطابق أنحاء وتجانس أجزاء، وتمكن ترتيب، ولطافة تهذيب، مع صحة طبع وجودة إيضاح، يثقفه تثقيف القداح، ويصوره أفضل تصوير، ويقدره أكمل تقدير، [فهو مشرق في جوانب السمع] .
وإن كنت (?) قد استدركن على كثير ممن سبقني إلى مثل ما أجريت إليه، واقتصرت في هذا الكتاب عليه، لمح أوردتها كنوافث السحر، وفقر نظمتها كالغنى بعد الفقر، من ألفاظ أهل العصر، في محلول النثر، ومعقود الشعر؛ ولهم من لطائف الابتداع، وتوليدات الاختراع، أبكار لم تفترعها الأسماع، يصبو إليها القلب والطرف، ويقطر منها ماء الملاحة والظرف، وتمتزج بأجزاء النفس، وتسترجع نافر الأنس، تخللت تضاعيفه، ووشحت تآليف، وطرزت ديباجه (?) ، ورصعت تاجه،