التفويض، وتقوم بإكرام الإنابة والتعويض، وقد استرهن عندي بمبتدأ التطول بالمكاتبة يداً، اقتضى اعتدادي بها وشكري لها بما يبرهن عن توافقنا في الصفاء، وتشاكلنا في الإخاء، وسيدي يطيع في ذلك بواعث كرمه، ونوازع شيمه.
فأجابه ابن المغربي برقعةٍ قال فيها: ألقي إليّ كتاب كريم يكتفي شرف الهمة بخيال عنوانه، ولا يبلغ بشق النفس شكر ظاهره فضلاً عما في طي جنانه، ففضضته عن الروض العازب، والتقطت منه فرائد الكواعب، ووجدت فيه نسيم الشباب، وتعللت به في عطف الأيام / [142] السالفة العذاب، ووجدته قد احتوى من عقائل الفصاحة وكرائم البلاغة على ما يعدى المعجم العيي فينطق متخيراً، وينشده الناطق البليغ فيبلس متحيراً، وظننت أن العشاق لو أعيروا من ألفاظه مزاجاً للمراشف، ووهبوا من أنفاسه عطراً للسوالف، لصالوا بحجج تجل عن تسمية المعاذير، وتصبغ الخطأ بلمع الصواب المنير، ولو أنهم جعلوه رمي سهمة الفراق لكفت عواديها، وأخذة لأعين الرقباء لطفرت [من] مآقيها، ولو أن الحمام أصغت إليه لعاد نوحها شدواً، ولو أن الليالي تتدثر (?) به لصار دجاها غدواً، وعجبت مما حمل على منتي الضعيفة من منن كنت قبلها نضو العزيمة فكيف [أنهض] بها، ومن مبار يكاد يمنعني فادح أثقالها أن أستار مرفقها، فلو أن ذلك الكتاب الجليل صدر إليّ من عدوي لاهتززت ببدئاع ما فيه، ولو أنه تاه عن إنعام علي لغالطتني عذوبة لفظه عن مرارة معانيه، فكيف وقد جاءني عن الأيام عتبي، وجعل قلبي لخواطر الجذل نهباً، ولست ألم بشكره عن هذه العاطفة الكريمة فأوهم أنها مما تتناوله أفكاري الكليلة، ولا أتعرض لحمدها فأحبط أجري في الاعتراف بالتقصير عن مواهبها الجزيلة، ولكن أوفيها، ما وجب من إظهار العجز فيها.