به الجفون منابت الشكير من أهدابها والغمير، متلافية أقطارها على رجال كأنهم أنسلاء عادٍ وثاقة أجسام، وصلابة أحلام، وبعد مرام، لطفوا عن بدوية الشام وغلظته، وجمدوا عن ذوب العراق وخلابته، قد عقدت ألسنتهم بالصدق فما ينثر الباطل من عذباتها، وصحت غرائسهم في المودة فما يجتنى الغدر من ثمراتها، إن سلماً فسلماً وإن حرباً فحرباً، لا يعرفون تدليس الأخلاق، ولا تمويه النفاق، وشعراؤهم (?) ملء اليدين، وكتابهم أثر بعد عينٍ، أدبهم [حسن] (?) على قلة الملوكي فيه، وعلمهم متقن لمن تأمل أدق مسربٍ (?) في فتن معانيه، قد محص تهذيب المحن شرارهم وأوهن خيارهم، بلدهم أطلال، وأحوالهم آل، قويهم يئن ضعفاً وضعيفهم يماطل حتفاً، بقيت عليهم أسمال النعم وذهب الدهر بأجسامها، وانجلت عنهم ظلل المحن وهم يتأوهون من غير آلامها، إلا أن فيهم بقية نقية، وفيهم موضع تداركٍ إن رزقوا سيرة مرضة، فلولا ما أرجوه من مداواة أسقامهم، وإعادة صالح أيامهم، لفضاني الانتماء بمعايشتهم قبل معاناتهم، وبملاحظتهم قبل مقاستهم، لكني أعلم أن من يحيي العظام وهي رميم، ويبعث (?) الروض وهو هشيم، وينشئ [-] بعد ما كانت قفاراً، ويجعل من الشجر الأخضر ناراً، قادر على أن يجعل ثواب نيتي فيهم معونتي على ما أنويه لهم، وجزاء تأملي بهم بلوغ الغرض في تدارك رمقهم.

وفي فصل: لو أطقت تفصيل المجمل، وإيضاح المشكل، لجرت لك به يدي طلق الجموح، ولأغنتك أسماره عن الوتر الصدوح، إلا أن القب عليل، والخاطر كليل، والزمان ببلوغ الأمل بخيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015