فصل في ذكر الأديب الفقيه أبي بكر
ابن الحسن المرادي القروي
وإثبات قطعة من أشعاره، وطريف أخباره
وكان أبو بكر هذا فقيهاً فطناً، وشاعراً لسناً، ممن جمع براعة الفقهاء، وبراعة الشعراء والنبهاء، وتصرف تصرف المطبوعين، وتكلم بألسنة المجيدين؛ أشعار كصفحات البدور، ودواوين كأثباج البحور؛ وتقلب أبو بكر بين السهول والحزون، تقلب الميل بين أطباق الجفون، وقلت دولة من دول ملوك الطوائف بالأندلس إلا وقد ابتغى إليها الوسيلة، وأعمل في الهجوم عليها حالاً وحيلة، فتنزوي عن مكانه انزواء الخائف من الرصد، وتغص بإحسانه غصص العين بالمرد، ثم كر إلى أمراء المرابطين بالمغرب فانخرط في أسلاكهم، وعرض بنفسه على أملاكهم، ووقع آخراً منهم إلى محمد بن يحيى بن عمر، فاقتعد صهوة منبره، وولي قضاء معسكره، وأخذ ينجد ويغور، وطفق يدبر ويدير، وإنما أراد أن يسلك في حمل دول المرابطين، مسلك عبد الله بن ياسين، ولم يدر أنها أقدار محتومة، وحظوظ مقسومة، فلم يحصل إلا على بعد السفر، وانقطاع العين والأثر، وتوفي رحمه الله بدكول من بلاد الصحراء، حيث لا يروق وجه النهار، ولا يحمد صوب القطار.