سلمها وكفينا حربها، فقلت: يا أم خفيف، بالذي جعل غذاءك ماء. وحشا رأسك هواء، ألا أيما أفضل: الأدب أم العقل - قالت: بل العقل، قلت: فهل تعرفين في الخلائق أحمق من إوزة، ودعيني من مثلهم في الحبارى - قلت: لا، قلت: فتطلبي عقل التجربة، إذ لا سبيل لك إلى عقل الطبيعة، فإذا أحرزت منه وبؤت منه بحظ، فحينئذ ناظري في الأدب، فانصرفت وانصرفنا.
قال أبو عامر: وكنت يوماً بحمام لي مع أصحابنا فأتى رسول الحاجب أبي عامر يرغب إخلاءه لبنيان عرض في حمامه منعه من دخوله، وكنت لم أصحبه، فخرجنا له عنه، ورغبوا أن أكتب إليه في ذلك فقلت:
شكرت للدهر حسن ما صنعا ... طائر مجد بجنتي وقعا
نفرت لما أيقنت جيئته ... وطارت النفس عندها قطعا
يا حسن حمامنا وقد غربت ... شمس الضحى فيه بعد ما متعا
أيقن أن الهلال زاكنه ... فضاء للحاضرين واتسعا
فانعم أبا عامر بنعمته ... واعجب لأمرين فيه قد جمعا
نيرانه من زنادكم قدحت ... وماؤه من بنانكم نبعا قال أبو الحسن: وننشد هنا بعض مقطعات تتعلق بذكر الحمام