ورماه البحر بأفلاذ كبده؛ ورزق عدة بنات أحسن من الشموس، وأفنن من الطواويس، فتبارى ملوك الطوائف بأفقنا في نكاحهن، وتنافسوا في غدوهن إليهم ورواحهن. واغتنم هو ذلك منهم وأذكاهن عليهم عيوناً، وبناهن بينه وبينهم دروباً وحصوناً، معتقداً أن الصهر رحم لا تجفى، وطريق إلى رعي الذمم لا تخفى. فقل ملك منهم إلا وقد علق له به حبل، واتصل بينه وبينه نسل. فسما إليه منهم ابن هود المذكور سنة سبع وستين يريه أن الناس مأكول وآكل، وأن القياس أكثره باطل. من رجل لا يستظل إلا أعلامه، ولا يرضى [102] إلا أحكامه، ولا يستشير إلا حسامه، فجر إليه الهضاب كتائب، وملأ عليه الشعاب مرداً أحاجب، وجرداً نجائب.
أخبرني غير واحد أنه لم يبق ملك من ملوك أفقنا سمع بمخرج ابن هود يومئذ إلا توقعه وتوقاه، وظن أنه لا يريد سوه. وإنما كان يريده، زعموا، على قلاع كانت تتصل ببلده، ليضمها إلى أمير طرطوشة، وقته، من ولده. فلم يرع ابن مجاهد إلا مجرى الجياد بحيث يرى ويسمع، ولا نبهه إلا مجر الصعاد، بحيث لا يعطي ولا يمنع. فاستطير فرقا، وقام وقعد تلدداً ونزقا. وحين علم المراد، وفهم الجلية أو كاد، أعطى فضل القياد، وكتب إلى عماله بإخلاء تلك البلاد.
فلما أخذ ابن هود في إيابه، وخلا ابن مجاهد بطوائفه وأحزابه