الجن وبغالهم، قد أصابتها أولق فهي تصطك بالحوافر، وتنفخ من المناخر، وقد اشتد ضراطها، وعلا شحيجها ونهاقها، فلما بصرت بنا أجفلت إلينا وهي تقول: جاءكم على رجليه، فارتعت لذلك، فتبسم زهير وقد عرف القصد، وقال لي: تهيأ للحكم. فلما لحقت بنا بدأتني بالتفدية، وحيتني بالتكنية، فقلت: ما الخطب، حمي حماك أيتها العانة، وأخصب مرعاك - قالت: شعران لحمارٍ وبغل من عشاقنا أختلفنا فيهما، وقد رضيناك حكماً. قلت: حتى أسمع. فتقدمت إليّ بغلة شهباء، عليها جلها وبرقعها، لم تدخل فيما دخلت فيه العانة من سوء العجلة وسخف الحركة، فقالت: أحد الشعرين لبغل من بغالنا وهو:
على كل صبٍ من هواه دليل ... سقام على حر الجوى ونحول
وما زال هذا الحب داءً مبرحاً ... إذا ما اعترى بغلاً فليس يزول
بنفسي التي أما ملاحظ طرفها ... فسحر، وأما خدها فأسيل
تعبت بما حملت من ثقل حبها ... وإني لبغل للثقال حمول
وما نلت منها نائلاً غير أنني ... إذا هي بالت بلت حيث تبول والشعر الآخر لدكين الحمار:
دهيت بهذا الحب منذ هويث ... وراثت إراداتي فلست أريث
كلفت بإلفي منذ عشرين حجةً ... يجول هواها في الحشا ويعيث
[وما لي من برح الصبابة مخلص ... ولا لي من فيض السقام مغيث]