من يجتمع عليه الناس، وتحت ذيله من غلول واضح كثير، حين لم يترك إلا أطفالاً وأمهم حرته، ألقت بنفسها إليه، معتنقة بأمانه، فحصل لإسماعيل البلد. وسطا على مجاوريه من قواد الثغور، فاستقامت له الأمور. وثنى له الوزارة سليمان وسماه ناصر الدولة. فاستقل ذلك كله، وآثر الفرقة، واقتطع جانبه، فكان أول الثوار لمفارقة الجماعة، وفرطهم في نقض الطاعة، ثم اتفقت له أمور اتسع بها عمله، وكثرت جبايته وجمعه. وكان من البخل بالمال، والكلف بالإمساك، والتقتير في الإنفاق، بمنزلة لم يكن عليها أحد من ملوك عصره. لم يرغب في صنيعة، ولا سارع إلى حسنة، ولا جاد بمعروف، فما أعملت إليه مطية، ولا حملت أحداً نحوه ناقة، ولا عرج عليه أديب ولا شاعر، ولا امتدحه ناظم ولا ناثر، ولا استخرج من يده درهم في حق ولا باطل، ولا حظي أحد منه بطائل. وكان مع ذلك سعيد الجد، تنقاد إليه دنياه، وتصحبه سعادته فينال صعاب الأمور بأهون سعيه. وهو كان فرط الملوك في إيثار [69] الفرقة؛ فاقتدى به من بعده، وأموا في الخلاف نعهجه. فصار جرثومة النفاق، وأول من استن سنة العصيان والشقاق، ومنه تفجر ينبوع الفتن والمحن، فتبارك من أملى له، ولم يرض له عقوبة الدنيا مثوبة.
فقد كان أصحابه حفظوا عنه كلمات في سبيل ذكر السلف الصالح زيادة إلى مساوئه. وذلك أنه نوظر في شأن التأمير لبني أمية فقال: والله لو نازعني سلطاني هذا الصديق لقاتلته ولما سلمت له، فكيف أسلم سلطاني لمن يدعى إليه من بني أمية، ممن لا يوجب الله طاعتهم، عترة