طرابلس المغرب أول عمل المعز، فأفشي أمره، وفضح سره، فأمر المعز بإشخاصه. فلما وصل سعي به عنده وأراد قتله، فقال له: تأن في، واستقص علي، فإن صدقت وإلا قتلت. فمشى أبو الفضل بالقيروان مرقباً عليه، إلى أن ورد كتاب القائم بصدقه، فاعتذر إليه، ورفع منزلته وأكرمه، وبسط يده في مطاليبه وحكمه. فحملهم أبو الفضل إلى منزله، وأحسن إليهم، وخلع عليهم. فعجب المعز من كرمه، وقلده تدبير حشمه. وكان ورود أبي الفضل بلد القيروان سنة تسع وثلاثين. حكى ذلك أبو علي بن رشيق وقال: إنه أول من أدخل كتاب اليتيمة للثعالبي عندهم، وشهد حصار القيروان معهم. فلما كان عام ستة وأربعين صرف المعز خطبته إلى صاحب مصر، ونبذ العباسية. فخرج أبو الفضل إلى سوسة، فتطاول عليه أهلها، فخرج عنهم بعد أن أوقع الفتنة بينهم، وتركهم فرقتين: قيسية ويمنية، وأوقع في نفوسهم أن الحرب قائمة بين هاتين القبيلتين إلى يوم القيامة. فاقتتل الفريقان إلى أن تغلب عليهم تميم بن المعز. وتردد أبو الفضل هنالك عدة سنين، وشهد الحروب مع بلقين. ثم انتبذ من تلك الناحية، وركب البحر فنزل بدانية، فبعث إليه أميرها ابن مجاهد بلحم وأرباع دقيق أول نزوله، فصرفها في وجه رسوله، وتعجل الارتحال عنه إلى بلنسية فلقي براً، واستجلبه المأمون ابن ذي النون فحسن بطليطلة مثواه [55] وأجزل قراه، وتوسع له ولعبيده في البر، وأجرى له ستين مثقالاً في الشهر. وكان دخوله طليطلة