الملك إليه بالزاهرة لينفذ الأمور عنه. فكشف أعداؤه وجوههم عند استحكام الإرجاف به، وراسلوا حاشية الخليفة هشام سراً، وجهزوا للقيام عليه؛ فلم يكن فيهم فضل لذهاب أعيانهم [49] . واشتد [ذلك] على ابن أبي عامر، فتقدم إلى ابنه عبد الملك أن يعترض ألفي فارس من المصطنعين للدولة والغلمان العامريين، وأن يبيتوا معه بالزاهرة لإنفاذ العزيمة فيما رآه من حمل الأموال إليه. وأحكم الأمر مع الفقهاء والوزراء، فركب ذلك الجيش من بين يديه يوم الثلاثاء الثالث من جمادى الأولى سنة ست وثمانين، فأتى قصر الخلافة بقرطبة، وأذن لمن وافى من الفقهاء والوزراء بالوصول إلى مجلسه، وشافههم في ذلك، فاعترف الملأ بفضل أبيه المنصور، فقال لهم عبد الملك: إن قوماً ممن يتصل بأسباب الخليفة هشام يؤثر الفتنة ويكره الدعة. فأنكرت الجماعة ذلك. وأحب عبد الملك والوصول بهم إلى مجلس هشام لشافهوه بهذه الكروب العظام. فكره هشام ذلك وامتنع منه وتبرأ منه أعداء ابن أبي عامر؛ وانصدع جمعهم على انتقال المال، فنقل في ثلاثة أيام حتى استنفذ جميع ما ظهر عليه من بيات المال، وتعذر ما كان بجوف القصر من بيت مال الخاصة؛ ودافع عنه أهل الدار لقيام السيدة أم هشام دونه. أخبرني أبي بعظيم ما شاهده من صرامة تلك المرأة لابن أبي عامر وولده ورميها لهما بكل عظيمة، وعبد الملك يومئذ ساكت يتجرع غصصه، لا يرد كلمة. فبلغ عبد الملك رغبته، وانكفأ إلى أبيه بالزاهرة بعد أن ثقف القصر، فسكن جأش ابن أبي عامر بإحراز تلك الأموال