وأذكر بفعلة أبن العريف في صاعد بعض ما منيت أنا به في خبر هذا التصنيف مع غير واحد من أهل وقتي، إذ سردت في بعض قصصه كلام ابن حيانهم، وكان على ما نقدم في وصفه متكلم أوانهم، فلما أعوزني لفظه في بعض ما سقت، ولم أجده في كل حديث نسقت. رجعت إلى نحيزتي، واستمطرت غريزتي. وماؤها جامد، ورمادها هامد، كما قال سابق:
أخلقت جدتي وبان شبابي ... واستراحت عواذلي من عتابي وأنا يومئذ بإشبيلية، أتصرف مضطرا في بعض الأعمال السلطانية. والكلام إذا لم يحكه قلب فارغ، ولم يسبكه لب من ظلماء الشغل بازغ. لو يرق تطريزه، ولم ينفق أبريزه. وعلى ذلك لما أندرجت لي فيه كلمات رائقات، في أوصاف مختلفات، وبلغت فيه أمد المراد، بألفاظ أعيان ومعان فراد، انثال علي فيه الكلام، انثيال الغمام، قالوا: نعم ما صنف أبن بسام وأتقن لو يستعن، وما أحسن ما قصص، لو لم يتلصص. ولله درهم [34] فالد أماء لا يزيد من القري، وذكاء لا تضيء من الدري. بل دردر أبي الطيب من شاعر نطق بالبدي، وجرى على عتق جده الكندي، فسبق، واستولى على الأمد بقوله إذ صدق:
أتيت بمنطق العرب الأصيل ... وكان بقدر ما أحسست قيلي