البلاد، وأجوب الصخر بالود، ما يزيد على عشر حجج نصفها، وعلى سبعة أعوام ضعفها، لم ألق إلا يوما يجعل الولدان شيبا، والجبال كثيبا مهيلا، وإن شئت أن أقصص عليك من نبأي قصصا، وأضرب لك من بعض أسفاري مثلا، ففزغ لي ذهنك، وأصغ إلي أذنك، حتى تسمع من أحوال صديقك ما يفلح ويثلج، ويغم ثم يبهج، فقد أودعت كتابي هذا نبذا مما لقيته في سفري، كان من خبري:
لما صفا الحصن الفلاني إلى من أيده الله أجلب عليه المقتدر بخيله ورجله، وأحدق حوله بضبطه ومنعه، حتى صار كالسماء ملئت حرسا شديدا وشهبا {فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} (الجن: 9) فدعا إقبال الدولة إخوانه لإنجاده، ونادى حلفاءه لإمداده، فاستغشوا بأردانهم، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، وعوضوا من عونه في إصلاح ذات البين، والحصن في أثناء ذلك قد اشتد وثاقه، وضاق خناقه، حتى أيقن أهله بالهلكة، وكادوا يلقون بأيديهم إلى التهلكة، فلما رأى انه ربما أودى العليل قبل أن يؤتى الشفاء، ويهلك المريض قبل أن يركب الدواء، وعلم أن الليث لا يقتبس إلا زنده، ولا يفترس إلا وحده، وفي كفه أنصاره، وفي شدقه شفرته وناره، أقام للزحف أعلامه، وجعل أمامه، فنصر بالرعب، وفر عدوه قبل الحرب.