لفؤاد، وإنما يتخاطب أهل بعد المكان، ويتكاتب ذوو النأي عن العيان، وأنت في الضمير جائل، فما تزيد الرسائل - وبين الجفون ماثل، فما تفيد الوسائل - لكن العين لا تبرأ من الأرق، حتى تطبق مستقرها على الحدق، والنفس لا تهدأ من القلق، حتى تجمع شطريها إلى أفق، فلهذا يجب على الصديق تأكيد العهد، ولو باهداء السلام، إذا لم يستطع على الإلمام، وتجديد الود بالكتاب، إذا لم يطق المفاوضة على الخطاب، لكن قد يأتي من عوائق الزمان، وعوارض الحدثان، ما يحول [116 أ] بين المرء وقلبه، حتى يسهو في مثوله للصلاة بين يدي ربه، فلا يدري أثنتين صلى الضحى أم ثماني، وأياما شهد التشريق أم ليالي.
وفي فصل: وليت زمانا فرغ للقائك، وأوانا بلغ إلى تلقائك، حتى أبرد نفسي بمحاضرتك، وأجدد أنسي بمذاكرتك، ولكني بين حل وترحال، ورجوع وإقبال، لا يجعلان إلى أمنية سبيلا، ولا يوجدان إلى مأربه وصولا؛ ولعلك - أيها الفاضل - ممن يظن هذه الأسفار فرجة، ويخال لها بهجة، وكيف والسفر قطعة من العذاب، والمسافر ومتاعه على فلت الذهاب، وان اتفقت مع ذلك فترة تستدمن، وبدرة تستحسن، فإنما هي كراحة المحتضر، ودرة المستبحر، ولا بد مع الخواطي من سهم صائب، وعند جفوف جانب من خضرة جانب، ولي منذ أجول