وفهمت ما أومى إليه من التنقل إلى ذراه، والورود على نداه، وأنى لي بذلك وقد قيدتني الهموم فما أستطيع نهضا ولا أتقدم، ولو أطقت ذلك لعدت العمر غضا جديدا، ولقيت الكمال شخصا وحيدا، عند من تقر بسوابقه العجم والعرب، وتؤكل خلائقه [بالضمير] وتشرب.
قال أبو الحسن: وكان ذو الرياستين قد رأى لو انتقل ابن طاهر إلى ذراه، أن يستمد برأيه ونهاه، وهيهات! أبو عبد الرحمن كان أصون لفضله، وأفطن بالزمان وأهله، من أن ينخدع بمنتقل ظله، ويحكمه فيما أبقت الخطوب من جلالته ونبله: من رجل شديد الإعجاب [كان] بأمره، بعيد الذهاب بقدره، زاريا على زعماء أهل عصره، إن ذكرت الخيل فزيدها، أو الدهاة فسعيدها وسعدها، أو الشعراء فجرولها ولبيدها، أو الأمراء فزيادها ويزيدها، أو الكتابة فبديع همذان، أو الخطابة ففي حرام سبحان، أو النقد فقدامة، أو العلم فلست من رجاله ولا كرامة، وليس له من ذلك كله إلا البراءة من الإحسان، والاستطالة بمكانه من السلطان، أبى الله الا انهماكه في الشراب والشطرنج، وكان على ذلك ضيق الفناء، جهم اللقاء/ أحذق الناس بحرمان من قصده، وأشدهم احتمالا لمن لامه في البخل وفنده، وانتحاه بأصناف الذم واعتمده، على ما كان يداخله من كبر، ويعتقده لنفسه من جلالة