قد خلعتم لين العيش على خشنه، وأسلمتم غفلات الزمان إلى محنه، يلوذون بآفاق هذه المنكوبة، لواذ الماء بأقطار الزجاجة المصبوبة، فكانوا كما وصف الملك الضليل حيث يقول:
فريقان منهم جازع بطن نخلة وآخر منهم قاطع نجد كبكب
لا بل كما قال صاحبهم القسطلي أبو عمر يضجر من حاله، ويحار من أدباره بين تلك الفتنة وإقباله، ويصف ما حل به وانجلى عن أهله وأطفاله، في قصيدة فريدة [1ب] مدح بها خيران الصقلبي فقال:
تقسمهن السيف والحيف والبلى وشطت بنا عنها عصور وأزمان
كما اقتسمت أخذانهن يد النوى فهم للردى والبر والبحر إخوان
إذا شرق الحادي بهم غربت بنا نوى يومها يومان والحين أحيان
وكان القسطلي - حسبما قدمنا هذا الديوان - من فتنة ذلك الزمان بمنشأ ليلها، وعلى مدرج سيلها، فأوثقته في حبالها، وعركته عرك الرحى بثفالها، ولم يزل يتقلب بين أطباقها، ويترشف أسار ثمادها وأزناقها، فكم له من وفادة أخزى من وفادى البرجمي، ووسيلة أضيع من المصحف