فمن ذلك رقعة كتب بها إلى بعض إخوانه يعاتب: شاكرك أو شاكيك، من لا يحمد ولا يذم الأيام فيك؛ يا سيدي - كناية عن ذكره، لا توخيا لبره، وإحياء رغبة في إنصافه، لا طمعا في استعطافه - الذي عاطيته كأس الوداد فأمرها، وزفقت إليه بنت الفؤاد فأضر بها وأضرها، ومن أطال الله بقاءه ممتعا بظل السلطان، وإقبال الزمان، فإن الرجل بسلطانه، لا بإخوانه، وبإقبال زمانه، لا بإحسانه، إني - أعزك الله - وإن كان الدهر وضعني ورفعك، وضاق عني ووسعك، بين جنبي نفس عصام، وبين فكي صارم بسطام، إذا ضيم الرجال فلست بالمضروب زيد، وإذا تكلم القول فلست بسعيد بن حميد:
الشجو شجوي والعويل عويلي (?) ... لا أستعير عينا للبكاء، ولا أبتغي بكبدي كبدا سليمة من الأرزاء.
وإنك أعزك الله - لما تكلمت بلسان سهل بن هارون، وجلست مجلس الفضل من المأمون، وخدمك الدهر، وانثالت في يديك الأنجم الزهر، قلت: أحمد وعلي، وإن لم يكن شبع فري (?) ، أسوأ من أعنق أو نص، وأين من ولي حلب ممن ولي حمص؛ وعلى رسلك: ما كنت أنا الغلط في مثلك، إني أبيت ظمآن، ولا أبيت خزيان، وأحتمل الحرمان، ولا أحتمل الهوان. وليت هذا الأمر وقلبك لي معمور، وأنت بزعمك إلي فقير، وأنا أظن أني سأولي وأعزل، وأحدث في كنفك وأعدل، فما هو إلا