نفار الشارد، ويتسلل من مجلسه تسلل الطريدة من يد الصائد؛ فلما أبى إلا اطراداً عن أصله، وطال ذلك عليه من فعله، تقدم إلى أصحاب سدته ليلة في ترقبه من مذهبه، وأنذر وتهدد، وأقام في ذلك وأقعد، وقام ابن عمار كعادته، فلم يحفل المعتمد ليلته بمكانه، لما كان قدم في شانه؛ فلما انفض من كان عنده، التمسه ففقده، وطلبه منتهى جهده فما وجده، وأحضر من كان أوصى فيه إليه، فأخبر أنه لم تقع له عين عليه، فرابه أمره، وخفي عنه سره، فشهر فيما بلغني سيفه وأخذ الشمع بين يديه وجعل يطلبه حيث يحسبه ولا يحسبه، فلما انتهى إلى بعض الدهاليز إذا بحصير مطوي، وابن عمار فيه أغمض من سرٍ خفي، عريان كالأفعوان، فأمر بحمله، وهو قد تعجب من فعله، فلما استقر بالمعتمد المجلس، جعل يبسط جانب ابن عمار ويؤنس، وابن عمار يبكي فيضحك، ويشكو فيشكك، فلما سكن قليلاً، وأفرخ روعه، ورقأ دمعه، سأله عن شأنه فأخبر أنه كلما كانت تأخذ منه الشمول سمع كأن قائلاً يقول: يا مسكين، هذا يقتلك ولو بعد حين، كلاماً هذا معناه، فلا يزال يطلب الأنس بوسعه فيبعد عليه ذلك ويمتنع، حتى يصنع ما يصنع، إلى أن كان له معه الذي قدر.
ومن مقاله في أثناء اعتقاله هذه القطعة البديعة:
يقول قوم إن المؤيد قد ... أحال في فديتي على نقده