غير أن المعتمد لما تهيأت له على ابن ذي النون الجسرة، وأمكنته منه تلك الغرة، أدار أمر قرطبة، وأميرها ابنه، على أحد عبيده المتجندين، محمد بن مرتين، وكان شهاباً لا يصطلي بناره، وأسداً لا يستقر على زاره، إلا أنه كان من الإدلال ببأسه، والإهمال لنفسه، والإقبال على كيسه وكأسه، والغفلة عن عادة الله في جنسه، آيةً من آيات الله الذي وكله إلى سوء القدر، وقتله بيد أضعف البشر، أحد الرجالة المتلصصين، والدائرة المتمردين، المتصرفين في صغار المهن، النابتين في مدارج سيول الفتن، رجلٍ كان يعرف بابن عكاشة، لم تكن له سابقة قديمة، ولا نباهة معلومة، فراشة طارت حول نار الفتنة المبيرة، المهتكة لمحارم هذه الجزيرة، فترقى من سكنى الشعاب، والسكون إلى الذئاب، وانتهاز الفرصة إن أمكنته في الطارق المنتاب، إلى تسنم المعاقل، وتدبير الأمور الجلائل، وأذكاه ابن ذي النون عيناً على قرطبة، في أحد الحصون المصاقبة لها، وأبعد آماله كانت إخافة سبلها، وتحيف عملها؛ وكان إحدى الأعاجيب ذكاء لبٍ، وصرامة قلب، وتقدماً إلى ضرب، لا يحل إلا ريثما يرحل، ولا يقول إلا بعد ما يفعل، وابن مرتين في خلال ذلك خال بشيطانه، ساع في شانه، بين بطالته وطغيانه، كلما حدث عن ابن عكاشة بغرةٍ اهتبلها، وأشير عليه في أمره بنصيحةٍ كي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015