وتقشف من ذلك التعفف، إلى أن أفضى الأمر إلى المعتمد، وأحسبه قد كان في أيام أبيه، من بعض من يداخله ويصافيه، فحباه من علاه بنصيب، وسقاه من نداه ببحرٍ لا بذنوب، وأنهضه إلى مثنى الوزارة، وأكثر ما عول عليه في السفارة، فسفر غير ما مرةٍ بينه وبين حلفائه من ملوك الطوائف بأفقنا، حتى انصرفت وجوه آمالهم إلى أمير المسلمين وناصر الدين، أبي يعقوب يوسف بن تاشفين، رحمه الله، فسفر ذو الوزارتين بينهما مراراً فكثر صوابه، واشتهر في ذات الله مجيئه وذهابه، واضطر المعتمد إليه قريباً من آخر دولته، فعظمت حاله، واتسع مجاله، واستولى على الدولة استيلاء قصر عنه أشكاله، إلى أن كان من خلعه ما كان، فكان ذو الوزارتين أحد من حرب، وفي جملة من نكب. وأقام على تلك الحال، نحواً من ثلاثة أحوال، حتى تذكره أمير المسلمين بما كان عهد من حسن خليقته، وسداد طريقته؛ وقد حدثت أن سبب ذلك الذكر، كتاب كان ورد من صاحب مصر، لم يكن بد من الجواب عليه والإنصاف منه، وتفقد يومئذ أعلام المشاهير، فكان ذو الوزارتين أقرب مذكور، فاستدعاه لحينه، وولاه كتبة دواوينه، ورفع شانه، حتى أنساه زمانه، وقد أثبت من كلامه مما أنشأه في الدولتين، ما يملأ ذكره الخافقين.