وكانت بينهما صداقة وثيقة، ليسهل له شهادة المعافاة فيعود على جناح السرعة إلى والده مخففا عنه هذا العبء الثقيل من أعماله، وهو يقوم بأوفر قسط منها. فقال المؤلف هيهات! ! وكيف أترك هذه الضالة المنشودة، وهل أضيع على نفسى مأربها وبغيتها؟ ؟ لابد من الانضمام إلى هذه الأسرة الدينية لأكون فردا منها ولابد من الجلوس بين هذه الحلقات العلمية ردحا من الزمن (?)، مفارقا تلك الحلقات الريفية، مترحما على الأيام الطويلة التى قضيتها بين ذويها وأترابها! !
دهش كل الدهش أخوه إذ يراه قد جاوز العقد الثانى من عمره، فأصبح طلب العلم عليه غير هين أدرك المؤلف منه هذا فقال: قد تسبق العرجاء. والله يختص برحمته من يشاء. ثم أقبل المؤلف على مطلوبة أيما إقبال. فكنت تراه فى اليوم الواحد يحفظ قسطا من كتاب الله تعالى، ومقدارا من المتون الأزهرية على الطريقة المألوفة إذ ذاك، ويتردد على على حلقات العلم يتزود منها ما شاء الله. ومضى عليه نصف عام كامل فهل يدور بخلدك (?) أن هذا التلميذ الناشئ فى مكنته (?) أن يكون أستاذا لمبتدئين يتلقون عنه دروس العلم فى المساء، ويشرف عليها بعض المعلمين المعجبين بذكاء ابن الريف المتقدم فى سنه! ! ومازال مجدا مواصلا ليله بنهاره، غير مقتصر على أن يملأ مخيلته بالمسائل العلمية يرددها لسانه، بل وضع نصب عينيه العمل بما يتطلبه العلم، موقنا أن الطالب لذلك هو الله تعالى ورسوله شاعرا أن وراءه أبناء الحلقات الريفية، وهم الذين خيم الجهل عليهم فما يدرون حلال ولا حراما، وما يفرقون بين ولى ولا نبى! !
وهؤلاء لابد أن تجمع الأيام بينه وبينهم فتنقلب هذه الحلقات الدينوية حلقات دينية يرى المجتمعون فيها من كان على شاكلتهم أضحى لهم معلما. ومعلم هذه الطبقات ترمقة عيونهم، وتصغى إلى قوله آذانهم. فان عمل بما