ذراع وقد فسح له مد بصره تبعا لروحه (قال) ابن القيم: أخبر بعض الصادقين أنه حفر ثلاثة أقبر، فلما فرغ منها اضطجع ليستريح فرأى فيما يرى النائم ملكين نزلا فوقفا على أحد الأقبر، فقال أحدهما لصاحبه: أكتب فرسخا في فرسخ، ثم وقفا على الثاني فقال: اكتب ميلا في ميل، ثم وقفا على الثالث فقال: اكتب فترا في فتر، ثم انتبه فجئ برجل غريب لا يؤبه له فدفن في القبر الأول، ثم جئ برجل آخر فدفن في القبر الثاني، ثم جئ بامرأة مترفة من وجوه البلد حولها ناس كثير
فدفنت في القبر الضيق الذي سمعه يقول: فترا في فتر (?).
... (الرابعة) أعلم أن الميت إذا وضع في لحده ودفن لا يحجب التراب الملائكة عن الوصول إليه، بل لو نقر له حجر وأودع فيه وختم عليه بالرصاص لم يمنع وصولهم إليه، فإن هذه الأجسام الكثيفة لا تمنع خرق الأرواح لها، بل الجن لا يمنعها ذلك، وقد جعل الله تعالى الحجارة والتراب للملائكة بمنزلة الهواء للطير (?).
(الخامسة) أعلم أن النار التي في القبر والخضرة ليستا من نار الدنيا ولا نباتها ولا يحس بهما أهل الدنيا. فالله تعالى يحمي على الميت ذلك التراب وتلك الحجارة التي فوقه وتحته حتى تكون اعظم حرا من نار الدنيا بما لا يعلمه إلا الله ولو مسها أهل الدنيا لم يحسوا بذلك، وأعجب من هذا أن الرجلين يدفنان أحدهما إلى جنب الآخر، وهذا في حفرة من حفر النار لا يصل حرها إلى جاره، بل ربما كان في روضة من رياض الجنة. وقد أرانا الله تعالى من آثار قدرته في هذه الدار ما هو أعجب من ذلك، لكن النفوس مولعة بالتكذيب بما لم تحط به علما إلا من وفقه الله وعصمه، فكيف ينكر في الحكمة إسبال غطاء يحول بين المكلفين وبين مشاهدة ما يريد الله تعالى إخفاءه حتى إذا