الله عليه وعلى آله وسلم فقال (لو خرجوا فيكم ما زادكم إلا خبالا) أي فسادا وشرا (ولأوضعوا خلالكم) أي سعوا بينكم بالفساد والشر (بيعونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) أي قابلون منهم مستجيبون لهم فيتولد من سعي هؤلاء وقبول هؤلاء من الشر ما هو أعظم من مصلحة خروجهم فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه.

(ولا يقال) إذا كان الكفر بقضاء الله وقدره ونحن مأمورون أن نرضى بقضاء الله، فكيف ننكره ونكرهه؟ (لأنا) نقول "أولا" نحن غير مأمورين بالرضا بكل ما يقضيه الله ويقدره، ولم يرد بذلك كتاب ولا سنة. بل من المقضي ما يرضي به، ومنه ما يسخط ويمقت "ثانيا" هنا أمران: قضاء الله وهو فعل قائم بذات الله تعالى. ومقضي وهو المفعول المنفصل عنه المتعلق بالعبد المنسوب إليه. فالقضاء كله خير وعدل وحكمة نرضى به كله. والمقضي قسمان: منه ما نرضى به، ومنه ما لا نرضى به، فمثلا: قتل النفس له اعتباران "فمن حيث" قدرة الله وقضاه وكتبه وشاءه وجعله أجلا للمقتول ونهاية لعمره نرضى به "ومن حيث" صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم عليه باختياره وعصى الله بفعله "نسخطه" ولا نرضى به.

(فهذا جملة) ما يحتاج إليه- في القضاء والقدر- من نور الله قلبه من المؤمنين الراسخين في العلم فإن العلم علمان: معروف للخلق، وغير معروف لهم (فالمعروف) علم الشريعة الذي جاءت به الرسل جملة وتفصيلا أصولا وفروعا. فمن أنكره كان من الكافرين (وغير المعروف) علم القدر الذي أخفاه الله عن خلقه ونهاهم عن البحث فيه، فمن أدعى معرفته وترك العمل بظاهر الشريعة اعتمادا على ذلك فهو من الخاسرين (فالمؤمن) الصادق هو الذي يعمل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويفوض علم القضاء والقدر إلى الله عز وجل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015