والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة، والمرجع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة وراسله، هل رأى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ربه؟ فأخبره أنه رآه (ولا يقدح) في هذا أثر عائشة رضي الله عنها، لأنها لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لم أر ربي. وإنما ذكرت متأوله لقول الله تعالى: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا) {51} الشورى. ولقول الله تعالى: (لا تدركه الأبصار). (والصحابي) إذا قال قولا وخالفه غيره منهم، لم يكن قوله حجة. فإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية، وجب المصير إلى إثباتها، فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسماع ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد ثم أنه أثبت شيئا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. (فالحاصل) أن الراجح عند أكثر العلماء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لما تقدم. ثم أن عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث ولو كان معها فيه حديث لذكرته. وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات (فأما احتجاجها) بآية "لا تدركه الأبصار" "فجوابه" أن الإدراك هو الحاطة. والله لا يحاط به، ولا يلزم من نفى الإحاطة نفي الرؤية بلا إحاطة "وأما احتجاجها" بآية (وما كان لبشر أن يكمه الله إلا وحيا) "فجوابه" أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية. فيجوز حصول الرؤية بلا كلام، أو أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة (?). وكل ما تقدم أخبر به الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والعقل يجوزه. فيجب الإيمان به من غير بحث في حقيقته. ومن أخل بشيء مما ذكر، فيسري جزاء تفريطه يوم الحساب، والعرض على رب الأرباب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015