أنه ماء فنار تحرق. فمن ادرك ذلك منكم فليقع فى الذى يرى انه نار فانه ماء بارد عذب. أخرجه الشيخان وأبو داود (?) {75}.
هذه الأحاديث التى ذكرت فى قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق أنه شخص موجود معين ابتلى الله به عباده، واقدره على أمور من احياء الميت الذى يقتله، واظهار زهرة الدنيا وخصبها، وجنته وناره واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء ان تمطر فتمطر، والارض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدره الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم. و " يثبت الله الذين آمنوا ".
(وقال) بعض المعتزلة: انه صحيح الوجود، ولكن الذى يدعى مخارف وخيالات لا حقائق لها. وزعموا أنه لو كان حقا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وهذا غلط، لأنه لم يدع النبوة، فيكون ما معه كالتصديق له، وانما يدعى الالهية، وهو فى نفس دعواه مكذب لها بصورة حالة، ووجود دلائل الحدوث فيه، ونقص صورته، وعجزه عن ازالة العور الذى فى عينيه، وعن ازالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه، ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به الا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة، رغبة فى سد الرمق، أو تقية وخوفا من اذاه، لأن فتنته عظيمة جدا، تدهش العقول، وتحير الألباب مع سرعة مروره فى الأمر، فلا يمكث بحيث يتامل الضعفاء حاله، ودلائل الحدوث فيه والنقص، فيصدقه من صدقه فى هذه الحال، ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته، ونبهوا على نقصه، ودلائل ابطاله. وأما أهل التوفيق، فلا يغترون به، ولا يخدعون لما معه لما ذكر من الدلائل المكذبة له