لعمرك ما ساعيت من سعي عاجز ... ولا نأنإ لو أنني لا أكذب
ثكلتكما إن لم أكن قد رأيتها ... كراديس يهديها إلى الحي موكب
كراديس فيها الحوفزان وحوله ... فوارس همام متى يدع يركبوا
تفاقدتم هل أنكرن من مغيرة ... مع الصبح يهديهن أشقر مغرب
قال أبو عبيدة: فأتاهم الجيش فأغاروا عليهم فعلموا عند ذلك أن سليكاً قد صدقهم. قال: وكان يقال له سليكاً المقانب. فقال فرار الأسدى: وكان عرقب امرأته. فطلبه بنو عمها فهرب فبلغه أنهم يتحدثون إليها، فقال:
أزوار ليلى منكم يال برثن ... على الهول أمضى من سليك المقانب
يزورونها ولا أزور نساءهم ... ألهفى بأولاد النساء الحواطب
قال: وأما المنتشر الباهلى فإنه كان يغاور أهل اليمن فقتل مرة بن عاهان الحارثى. فقالت نائحته:
يا عين بكى لمرة بن عاهانا ... لو كان قاتله من غير من كانا
لو كان قاتله قوماً ذوى حسب ... لكن قاتله بهل بن بهلانا
فأغار المنتشر عليهم بعد هذا القول، فأخذ هذه المرأة التي قالت هذا الشعر فقرنها إلى بعيرين صادر ووارد فشقاها نصفين فقال:
ونحن شققناها اثنتين بجرمها ... وفريتها كلتيهما الرجل باليد
تركنا عليها مئزراً آنييه ... على مصدر من قدقد أو مورد
وأسر صلاءة بن العنبر الحارثي فاتكاً فقال: أفد نفسك فأبى فقال: لا والله ما يذر شارق إلا قطعت منك مفصلاً ما لم تفد، فقطعه أنملة أنملة وعضواً عضواً حتى أتى على نفسه، وكانت بنو الحارث تسمى المنتشر مجدعاً فطلبوه فلم يقدروا عليه حتى حج ذا الخلصة وهو بيت بالعبلاء كانت خثعم ومن وليهم من قيس وغيرهم يحجونه قال: وهو اليوم مسجد العبلاء فحجه المنتشر مستتراً يسير بالليل ويكمن بالنهار، فدل الحارثيون عليه فزعمت باهلة أن بنى نفيل بن عمر ابن كلاب أجملوا فيه ودلوا عليه فانبهوا إلى ربيئته وهو نائم فجاوزه إليه فأخذوه سلماً، فقالوا: والله لنقطعنك أعضاء كما فعلت بصلاءة، ولقى أبو قحافة أعشى باهلة معتمراً من عمرة الحج فسأله: هل من جائبة خبر؟ قال: نعم أخذت بنو الحارث المنتشر فقطعوه، فقال أعشى باهلة يرثيه:
إني أتتنى لسان لا أسر بها ... من علو لا عجب منها ولا سخر
تأتى على الناس لا تلوى على أحد ... حتى التقينا وكانت دوننا مضر
إما سلكت سبيلاً كنت سالكها ... فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر
لا يأمن الناس ممساه ومصبحه ... من كل أوب فإن لم يغز ينتظر
لا يغمز الساق من أين ولا وصب ... ولا يعض على شرسوفه الصفر
تكفيه حزة فلذ إن ألم بها ... من الشواء ويروى شربه الغمر
لا يتأرى لما في القدر يرقبه ... ولا يزال أمام القوم يقتفر
قال أبو عبيدة: وحدثنى سليمان بن مزاحم عن أبيه قال: خرج أوفى بن مطر وجابر الرزميان، وشهاب الخزاعى يتأوبون فلقوا أعداءهم من بني أسد فشغل كل واحد منهم قرنه، فأجلت المعركة عن أوفى جريحاً فقال أوفى لجابر: أقم علي حتى تنظر إلى ما يصير إليه أمرى، قال أنت ميت لا محالة، وليس لك درك أن تقتلنى بنو أسد، قال: فإني أزحف حتى نلحق بعماية فنشرب من مائها ونأكل من خضرها، فقال جابر: والله ما ترك بنو أسد بعماية إلا أرضاً فضاء، قال: أوفى نلحق بقساس فقال: والله ما قساس عند بني أسد إلا حرملة، وأنت ميت لا محالة، فألحق فأحرز نفسي قال: فتركه ولحق بقومه فسألوه عن أوفى، فقال: قتل. وزحف أوفى إلى أحد الجبلين فأقام به حتى أفاق ثم أقبل إلى قومه وهو في أنفسهم قد قتل، فقال رجل منهم: لولا أن الموتى لا تنشر لأنبأتكم إن هذا أوفى فنظر القوم فإذا هو أوفى، قال: وجابر في القوم فانسل فأخبرني قراد بن العنبر الرزامى قال: والله ما ندرى أين سقط، ولا من ولد إلى الساعة، استحياء من الكذبة حين أخبرهم أن أوفى قد قتل وأخبر أوفى أن جابراً نعاه، فقال:
ألا أبلغا خلتى عامراً ... بأن خليلك لم يقتل
تخطأت النبل أحشاءه ... وأخر يومى فلم يعجل