جاور رجل من بني وبرة عبيد بن غاضرة العنبري بفلج فأغار عليه جميل أبو خشرم السلمى فأخذ إبله فركب عبيد حتى أتى جميلا فقرنه إلى بعير ثم حزمه على بكر فسلح على ظهره فآلى لا ينقلب حتى تأتى بجميع ما أخذت بأعيانه وأرهق نفسك، فردها عليه بعينها ففي ذلك يقول عبيد:
تقول ابنة الكلبي إذ حل أهلها ... جميعا بأعلى ذي أبان فلعلعا
لعمري لقد أوفى عبيداً لجاره ... وزاد على كفل الوفاء فأترعا
فلا تحمداني بالوفاء فإنما ... تخيرتماني أهل فلج لأمنعا
قرنت أخا عون جميلا كأنما ... قرنت به بكراً من الشول أفرعا
الحارث بن ظالم، وكان عياض بن ديهث أحد بني عمرو بن سعد ابن زيد بن مناة بن تميم جاراً لبني يربوع بن غيظ بن مرة وكان انتجع أرضهم لما أجدبت أرض بني تميم، وكان ذا مال فأجدبت بنو يربوع فانتهبوا ماله، فلما رأى ذلك أعلق دلوه ورشاءه ببكرة الحارث بن ظالم ورشائه ثم نادى يا جارنا، يا جارنا فأتاه الحارث فقال: متى كنت جاري؟ إنما كنت جار بني يربوع فقال: بلى هذه دلوى ورشائي معلقتين برشائك وعلقت معالقها وصر الجندب أي: لا أقدر على النقلة من حر القيظ وهو مثل في شدة الأمر واستحكامه، فقال الحارث إلا أكن عقدت لك فقد رأيتك عقدت لنفسك. وجعل عياض يقول:
مصبح جارات بني يربوع
جواثماً كالحدإ الوقوع
يعدلن بين حرب رجوع
وبعد عساس المخض والنقيع
فقال له الحارث إذا وردت إبلك فاحضر فلما وردت سل سيفه فقال:
فكيف نجائى من عياض بن ديهث ... وقد شد عقداً دلوه برشائيا
فقالت بنو يربوع: يا حار مالك ولجارنا تدخل فيما بيننا وبينه؟ فقال: قد شد عقده بحبالي وشد علي الحياض فجعل يحوزها ناقة ناقة وجملا جملا، حتى تقصاها فدفعها إلى عياض ثم ألحقه بقومه فصار مثلاً في الوفاء مع السموأل ليس غيرهما. والأوفياء كثير، فضربه الفرزدق لوفاء سليمان بن عبد الملك لبني المهلب حين عاذوا به فقال:
لعمري لقد أوفى وزاد وفاؤه ... على كل جار جار آل المهلب
كما كان أوفى إذ ينادى ابن ديهث ... وصرمته كالمغنم المتنهب
فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم ... وكان متى ما يسلل السيف يضرب
وما كان جاراً غير دلو تعلقت ... بحبليه في مستحصد القد مكرب
وضربه الفرزدق أيضا مثلاً لوفاء مالك بن المنذر العبدي فقال:
أعوذ ببشر والمعلى كليهما ... أبو منذر أوفى جواراً وأكرم
من الحارث المنجى عياض بن ديهث ... فرد أبو ليلى له وهو أظلم
وما كان جاراً غير دلو تعلقت ... بعقد رشاء متنه لا تجذم
فرد أخا عمرو بن سعد بذوده ... جميعاً وهن المغنم المتقسم
ومخارق بن شهاب، وكان محرز بن المعكبر الضبي جاراً لبني العنبر وان لعامه الشيباني، ثم أحد بني السمين أغار على ماله ومال بني السيد ابن مالك فاستصرخهم فلم يصرخوه ولم يؤسيوه فقال لهم وردان من بني عدي بن جندب اطلبوا إبله فردوها فلما خاف محرز الفوت لحق بمخارق بن شهاب أحد بني خزاعي بن مازن فلقى مساحقاً فاستجاره فأجاره فأتى أخاه المخارق فقال: إني قد أجرت ابن المعكبر، فلامه وقال كيف تجيره وترد عليه ما فئت به، ثم ضرب بعكاز معه الأرض، وقال: ما ذنبي إن كان مساحق أجار ابن المعكبر، ثم سأل ابن المعكبر على المسير فسير القوم وسيره منزلة لهم ومنزلة له، ثم يأتيهم من أمامهم يوم كذا، فنادى يا آل مازن فخرجوا في إثر البكريين حتى أتوهم من قدامهم فقاتلوهم فانهزموا وأخذوا ما كانوا ذهبوا به، وكان وردان يذمم بما صنعت بنو العنبر فلحق بمخارق فشد الوقيعة معه ورد مخارق على ابن المعكبر وبني ضبة ما كان ذهب به البكريون. وقال في ذلك:
أقول وقد بزت بتعشار سربة ... لوردان جد الآن فيها أو العب
ستعرفها ولدان ضبة كلها ... بأعيانها مردودة لم تغيب
حميت خزاعياً وأفنا مازن ... ووردان يحمى عن عدي بن جندب