وكان ابن البصري هذا من الخلعاء المجان. وله شعر يجري مجرى الهزل والطيب. وخدم أبا القاسم أونوجور بن الاخشيد، فأحسن إليه وكساه وصار يركب معه. وكان يلبس طيلساناً أزرق يتشبه بالقضاة. وكان أونوجور قد حمله على برذون أصفر غليظ بطىء السير، فكان إذا سار مع أقوام من إخوانه، قال لهم: صفوا لي موضعكم حتى ألحق بكم! وكان مليح المجالسة، كثير النادرة. وكان يبيع الصيدلة في مسجد عبد الله بمصر.
وطمويه في الغرب بإزاء حلوان. والدير راكب البحر وحوله الكروم والبساتين والنخل والشجر. فهو نزه عامر آهل. وله في النيل منظر حسن. وحين تخضر الأرض، فإنه يكون بين بساطين من البحر والزرع. وهو أحد متنزهات مصر المذكورة ومواضع لهوها المشهورة.
ولابن عاصم، فيه:
أقصرا عن ملامي اليوم أني ... غير ذي سلوةٍ ولا إقصار
فسقى الله دير طمويه غيثاً ... بغوادٍ موصولةٍ بسواري
كم ليالٍ نبهت من نوم سكري ... بنعير الرهبان في الأسحار
والنواقيس صائحات تنادي ... حيّ يا نائماً على الابتكار
وقال فيه أيضاً:
واشرب بطمويه من صهباء صافيةٍ ... تزري بخمر قرى هيتٍ وعانات
على رياضٍ من النوّار زاهرةٍ ... تجري الجداول منها بين جنات
كأن نبت الشقيق العصفري بها ... كاسات خمرٍ بدت في إثر كاسات
كأن نرجسها في حسنه حدقٌ ... في خفيةٍ تتناجى بالاشارات
كأنما النيل في مرّ النسيم بها ... مستلئمٌ في دروع سباريّات
منازلاً كنت مفتوناً بها يفعاً ... وكنّ قدماً مواخيري وحاناتي
إذ لا أزال ملحاً بالصبوح على ... ضرب النواقيس صبّاً بالديارات
وهو بين الموصل وبلد، كبير، كثير الرهبان، له يوم في السنة يجتمع الناس إليه من كل موضع، فتظهر فيه الخنافس ذلك اليوم حتى تغطي حيطانه وسقوفه وأرضه، ويسود جميعه منها. فإذا كان اليوم الثاني، وهو عيد الدير، اجتمعوا إلى الهيكل فقسوا وتقربوا وانصرفوا وقد غابت الخنافس حتى لا يرى منها شيء إلى ذلك الوقت.
وهو بين الموصل وبلد. يعالج فيه من عضه كلب كلِب. فمن عضه كلب كلب بادر إليه فعالجوه منه برىء. ومن مضت له أربعون يوماً من العضة لم ينجع فيه العلاج.
وهو لليعقوبية، على أربع فراسخ من الموصل، في الجانب الغربي، من أعمال الحديثة، مشرف على دجلة، تحته عين قير، وهي عين تفور بماء حار تصب في دجلة ويخرج منه القير. فما دام القير في مائه فهو لين يمتد، فإذا فارق الماء وبرد جف. وهناك قوم يجتمعون فيجمعون هذا القير يغرفونه من مائه بالقفاف، ويطرحونه على الأرض. وله قدور حديد كبار وينخل له الرمل، فيطرح عليه بمقدار يعرفونه ويوقد تحته حتى يذوب ويختلط بالرمل، وهم يحركونه تحريكاً دائماً. فإذا بلغ حد استحكامه قلب على الأرض قطعاً مجمدة ويصلب ويحمل إلى البلدان. فمنه تقير السفن والحمامات وغير ذلك مما يستعمل فيه القير.
والناس يكثرون القصد لهذا الموضع للتنزه فيه والشرب، ويستحمون من ذلك الماء الذي يخرج معه القير، لأنه يقوم مقام الحمات في قلع البثور.
وله قائم. وكل دير لليعقوبية والملكية فعنده قائم. فأما ديارات النسطور فلا قائم لها.
وهذا الدير بميافارقين، على فرسخين منها في جبل عال، له عيد يجتمع الناس إليه وهو مقصود لذلك. وتنذر له النذور وتحمل إليه من كل موضع. ويقصده أهل البطالة والخلاعة للشرب فيه. وتحته برك يجتمع فيها ماء الأمطار.
وبرقوما هذا، هو الشاهد الذي فيه يزعم النصارى أن له سبعمائة سنة، وأنه ممن شهد المسيح. وهو في خزانة خشب، لها أبواب تفتح أيام أعيادهم، فيظهر منه نصفه الأعلى، وهو قائم وأنفه وشفته العليا مقطوعان. وذلك أن امرأة احتالت حتى قطعت أنفه وشفته ومضت بهما، فبنت عليهما ديراً في البرية في طريق تكريت.