رضيت بهم من الدنيا نصيبي ... غنيت بهم عن البيض الغواني
أُقبل ذا وألثم خد هذا ... وهذا مسعد سلس العنان
فهذا العيش لا حوضٌ ونوى ... ولا وصف المعالم والمغاني
وكان مصعب هذا، من أشد الناس تهتكاً، وأكثرهم خلاعة ومجوناً واستهتاراً بالمرد، وتطرحاً في الحانات والديارات. وأشعاره كلها في الغلمان، لا تعدو هذا المعنى إلى غيره. ونحن نورد من ذلك ما يستطرف ويستملح من معانيه.
ومن شعره، قوله:
أنا الماجن اللّوطي ديني واحد ... وإني في كسب المعاصي لراغب
ألوط ولا أزني فمن كان لائطاً ... فإني له حتى القيامة صاحب
أدين بدين الشيخ يحيى بن أكثم ... وإني عن دين الزناة لناكب
ومثل قضيب البان في زي شاطرٍ ... إذا ما بدا للطرف فالعقل عازب
له نخرةٌ، إن قلت: صلني بزورة ... تشيب لها يا ابن الكرام الذوائب
دعوت له من قوم لوطٍ عصابةً ... تذل لهم في النائبات المصاعب
فقال، وقد غصّ الزيار بحلقه ... مقالة من أعيت عليه المذاهب
كريمٌ أصابته من الدهر نبوةٌ ... وأي كريم لم تصبه النوائب
ومن شعره أيضاً:
نصيحة من حوى أُذناً وطرفاً ... أتتك، وسوف تسعد إن فعلتا
عليك إذا لقيت بحسن بشر ... وكن من أكثر الثقلين سمتا
ولا تخل الأصابع من عقودٍ ... وغتّ الناس بالآثار غتّا
وعظهم وانههم عن منكرات ... ولا تدع البكاء إذا وعظتا
وواخ أبا الذي تهواه كيما ... يقال أخو أبيه وقد ظفرتا
وإن أبصرت شرطك بين قوم ... ولم تصبر، فسارق إن نظرتا
وإن فطنوا، فأطرق ثم فكّر ... كأنك لم تكن نظراً أردتا
ودار المرد منك بحسن لطفٍ ... ولا تدع الدبيب إذا سكرتا
وصاتي، يا سعيد، فلا تدعها ... فأنت من الفلاسف، إن قبلتا
وقال أيضاً:
هجرت مجوني فاسترحت من العذل ... وكنت وما لي في التمادي من مثل
فيا ابن يمان هل سمعت بعاشق ... يُعدّ من النساك في من مضى قبلي
ألم تراني حين أغدو مسبحاً ... بسمت أبي ذرّ وفسق أبي جهل
وأخشع في مشيي وأصرف ناظري ... وسجادتي في الوجه كالدرهم البغلي
وآمر بالمعروف لا من تقية ... وكيف وقولي لا يصدّقه فعلي
أقول إذا لاقيت قوماً ألا اتقوا ... ولو عرفوا حالي لحلّ لهم قتلي
ومحبرتي رأس الرياء ودفتري ... ونعلي بالأسحار أو رائحاً رجلي
أؤمُّ فقيهاً ليس همي فقهه ... ولكن لديه المرد مجتمعي الشمل
فيا ربّ مغرور غررت بدفتري ... فلما ثناه الحزم عارضه فعلي
وكم أمرد قد قال والده له: ... عليك بهذا إنه من ذوي العقل
يفرّ به من أن يعاشر شاطراً ... كمن فرّ من حر الجراح إلى القتل
فأوسعته نيكاً ولم ألف عاجزاً ... وكنت له في الخفض واللين كالبعل
ولينته بالرفق من بعد عزةٍ ... كما ليّن الرواض مستصعب الابل
وقال أيضاً:
وقائلة، ترجو صلاحي، إلى متى؟ ... فقلت لها: ما دام في الأرض أمرد
فقالت: لقد أنضيت في الغيّ جاهداً ... ركائب فسق أنت فيها تردد
أتبكي لنشءٍ بعد نشءٍ فما أرى ... بكاءك حتى ينفد الدهر ينفد
أعاذل، لولا المرد أصبحت عابداً ... هم أهلكوا ديني عليّ وأفسدوا
دعاني أناسٌ زاهداً حين أبصروا ... خشوعي ألا في الزهد أصبحت أزهد
نصبت لهم تحت الخشوع مكايدي ... وللرفق أحياناً عواقب تحمد
تشّبهت بالزّهاد والحرب خدعة ... وراءيت بالتسبيح والكفّ تعقد
وقال أيضاً: