وذكر أحمد بن صدقة المغني، قال: اجتزت بخالد الكاتب يوماًن فقلت له: اعمل لي أبياتاً أغني فيها أمير المؤمنين، يعني المأمون. قال: فأي حظ لي في ذلك؟ تأخذ أنت الجائزة، وأحصل أنا على الاثم! فحلفت له، أنه إن وصلني بشيء، قاسمته إياه. فقال لي: أنت أنذل من ذاك! ولكن أذكره بي، فلعله يصلني بشيء. قلت: أفعل. فأنشدني:

تقول سلا فمن المدنف ... ومن عينه أبداً تذرف

ومن قلبه قلقٌ خافقٌ ... عليك وأحشاؤه ترجف

فحفظت الشعر، وعملت فيه لحناً، وحضرنا عند المأمون من الغد مع المغنين. وكان بينه وبين بعض حظاياه هجرة. فوجهت إليه بتفاحة عنبر مكتوب عليها بالغالية: يا سيدي سلوت. وما علم الله أني عرفت شيئاً من الخبر. وانتهى الدور إلي وابتدأت أغني بشعر خالد. فلما غنيته إياه، احمر وجه المأمون وانقلبت عيناه، ودارتا في أم رأسه، وظهر الغضب في وجهه، وقال: لكم على حرمي أصحاب أخبار؟ فقمت إعظاماً لما شاهدت منه، وقلت: أعيذ أمير المؤمنين بالله أن يظن بعبده هذا الظن، وأنزه داره أن يكون لأحد عليها صاحب خبر! قال: فمن أين عرفت خبري مع جاريتي حين غنيت في معنى ما بيننا؟ فحلفت له أني لا أعرف شيئاً من ذلك، وحدثته حديثي مع خالد. فلما انتهيت إلى قوله: أنت أبذل من ذاك! قال: أشهد أنك كذاك، وأسفر وجهه. وقال: ما أعجب هذا الاتفاق! وأمر لي بخمسة آلاف درهم، ولخالد بمثلها.

ومن مليح شعر خالد:

كبد المستهام كيف تذوب ... ما تقاسي من العيون القلوب

بدن المستهام كيف تراه ... شجنٌ ما له سواه طبيب

أين أين الرقاد يا مقلتي من ... حرّ أحشائه عليه رقيب

يا مكان الهوى خلوت من الصب ... ر، فما للسلو فيك نصيب

ومن مليح شعره:

ولم أدر ما جهد الهوى وبلاؤه ... وشدته حتى وجدتك في قلبي

أطاعك طرفي في فؤادي، فحازه ... لطرفك حتى صار في قبضة الحب

ومن شعره، وفيه لحن:

قد استعار الحسن من وجهه ... والغصن الناعم من قدّه

لقد تعاتبنا بأبصارنا ... فيما جناه الخلف من وعده

حتى تجارحنا بتكرارنا ... للّحظ في خدّي وفي خدّه

وله أيضاً:

ما على الغضبان لو كان رضي ... ورثى لي من تمادي مرضي

قال لي لما تشكّيت الهوى ... إحمد الله كذا قُضي

قلت: حاشى الله أن يقضي بذا ... بل قضاه صاحب الوجه الوضي

أنت شرّدت رقادي ظالماً ... فاجعل الانصاف منه عوضي

وله أيضاً:

رحلتم، فكم من أنةٍ بعد زفرةٍ ... مُبيّنةٍ للناس شوقي إليكم

وقد كنت اعتقت الجفون من البكا ... فقد ردّها في الرق حزني عليكم

وله أيضاً:

زراني في مورّدٍ مثل خدي ... هـ وعقد فصوله الكافور

ليلةٌ لم يكن سوى قصر اللي ... لة فيها عيبٌ ولا تقصير

قال جحظة: كنت يوماً عند عبد اله بن المعتز، فطلبت نعلي، فلم أجده. فجعلت أقول:

يا قوم من لي بنعلي ... أو في مصحّف نعل

فسار هذا البيت حتى رواه الصبيان.

قال: ودعاني عبيد الله يوماً، فأبطأت عنه، فكتب إلي:

لا تهجر الأمراء من بعدوا على ... فرس الح قيراط

فكتب إليه جحظة:

من كان خادم مثلكم فجواده ... فرس الحفاء ودينه طسّوج

قال جحظة: كنت أعشق جارية في القيان، يقال لها شروين. فسكرت عندي ليلةً، فخرئت في سطلي وحميديتي وانصرفت. فكتب إلي الهداهدي:

قد زارني خلٌّ أسرّ به ... حلو الشمائل راجح العقل

فبحقّ شروين التي خرئت ... في الطست والابريق والسطل

إلا أتيت مبادراً عجلاً ... وأرحت من نكد ومن مطل

حتى أراك إذا سكرت وقد ... شاركتها في ذلك الفعل!

ولجحظة، إلى ابن طرخان يدعوه:

لنا يا أخي زلةٌ وافره ... وقدرٌ معجّلة حاضره

وما شئت من خبر طيب ... ونادرة بعدها نادره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015