حبست لحرب ما شهدت كفاحها ... وأصبح سجاني أخي وابن والدي

ومن مليح شعره:

يا أيها القمر المنير الزاهر ... المشرق الحسن البهي الباهر

أبلغ شبيهتك السلام وهّنها ... بالنوم، واعلمها بأني ساهر

وكان المعتضد يستحسن هذا الشعر، فغنى فيه في طريقة خفيف الرمل، وكان أحد أصواته.

ذكر أبو عبد الله بن حمدون، أن محمد بن عبد الله بن طاهر، كان يحجب المتوكل بسر من رأى شهرين ثم ينحدر إلى بغداد فيقيم بها شهرين ويخلفه خلفاؤه بسر من رأى. فقدمها قدمة أخذ فيها معه أخاه عبد العزيز، وكان قد اشترى جارية، لها من قلبه محل. فاشتد عليه فراقها. قال: فسألني أن أستأذن أخاه له في الرجوع إلى بغداد على أن يعطيني شهرياً كنت رأيته تحته. ففعلت، فأذن له، فأعطاني الشهري. ثم أنشدني هذا الشعر:

أقول لما هاج قلبي الذكرى ... واعترضت وسط السماء الشعرى

كأنها ياقوتة في مدرى ... ما أطول الليل بسر من را

يا ربّ فكّاً كفكاك الأسرى ... فإن تجد لي بنجاةٍ أخرى

اجعل أدنى خطواتي بصرى ... حتى أؤوب بالمطايا حسرى

كأنها من الكلال سكرى ... ثم أعيش مثل عيش كسرى

ولم يدخل بغداد من ولد عبد الله بن طاهر غير هؤلاء الأربعة: محمد وعبيد الله وسليمان وعبد العزيز. فأما عبد الله بن طاهر، فكان من سروات الناس أدباً وفضلاً وسياسة وتدبيراً وسخاء وكرماً.

وكان المأمون تبناه ورباه. وكان مولده سنة اثنتين وثمانين ومائة. فذكر أبو أحمد عبيد الله بن عبد الله أن أبا عبد الله بن طاهر انصرف ليلة من دار المأمون وذلك بعد خروج طاهر إلى خراسان، وكان قد غلب عليه النبيذ، فبات في القبة الطاهرية من دار طاهر بمدينة السلام. فتعلق طرف من الخيش، وقد يبس، بالشمعة، فاحترقت القبة، واحتمل عبد الله فأخرج منها. واتصل الخبر بطاهر، فكتب إلى عبد الله يعذله ويؤنبه ويقول: لو ورد الخبر بوفاتك كان أسهل علي من وروده بفضيحتك، وأن يبلغ بك النبيذ مبلغاً لا تحس معه باحتراق موضع أنت فيه؛ ويأمره بالتجهز والخروج إليه. فأقلق عبد الله ذلك وكتمه عن جميع الناس وختم الكتاب وجعله تحت مصلاه وتبين الهم عليه. فسأله المأمون عن خبره فكتمه. ثم سأل من يخصه، فأعلمه أن كتاباً ورد عليه لا يعلم ما فيه، فأقسم عليه المأمون في إحضار الكتاب، فأحضره. فكتب المأمون إلى طاهر يعاتبه على ما فعل، ويعلمه منزلته عنده وإحلاله محل الولد، وأنه لا يد لطاهر عليه إلا بحق خلافته، فإن صرفه عنها فليس له أن يزعجه عن الحضرة. فأجاب طاهر بالشكر لتطوله إذ كان هذا محله عنده. وأعيد بناء القبة، فلم تزل إلى أن نقضت في سنة ثلاث وتسعين ومائتين.

وخرج عبد الله إلى الشام في سنة تسع ومائتين، فحارب نصر بن شبث إلى أن ظفر به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015