وقال: وأما سليمان بن عبد الله بن طاهر، فكان ابن أخيه محمد بن ابن طاهر، أنفذه إلى العراق في سنة خمس وخمسين ومائتين خليفة له، فأمضى المعتز ذلك وخوله فأقره أياماً. وخرج إليه عبيد الله فخلع عليه وولاه شرطة بغداد وعزل سليمان بن عبد الله. فدخل عبيد الله إلى بغداد ومعه خلق عظيم من الأولياء والقواد، فتلقاه الناس وفرحوا بولايته. وخرج سليمان قبل وصول أخيه إلى البردان، فأقام بها إلى أن ورد موسى بن بغا من الجبل. فرد إليه أمر الشرطة ببغداد وسر من رأى وأمر السواد، وعزل سليمان، وذلك في سنة سبع وخمسين ومائتين، فتسلم عبيد الله الولاية في الأولى. ثم اضطرب أمر الطاهرية بخراسان ودخل يعقوب بن الليث نيسابور. فلما قرب منها، وذلك في سنة ثمان، وجه محمد بن طاهر إليه يستأذنه في تلقيه، فلم يأذن له. فبعث بعمومته وأهل بيته، فتلقوه، ودخل نيسابور ونزل طرفاً من أطرافها، فركب إليه محمد بن طاهر ولقيه في مضربه، فأقبل يوبخه على تفريطه في عمله. ثم وكل به وبأهل بيته وكتب إلى الحضرة يذكر أنه على السمع والطاعة والضبط لما يتولاه، ويطعن على محمد. فرد الموفق عليه أقبح رد، وأعلمه أنه لا يقاره على ذلك. ثم أقبل يعقوب بن الليث إلى بغداد، وسار المعتمد نحوه، فالتقوا وكان الموفق في المقدمة، وموسى بن بغا في الميمنة، ومسرور البلخي في الميسرة، وذلك يوم الأحد لسبع خلون من رجب، وكان يوم شعانين، فقتل من الأولياء خلق كثير. واشتدت الحرب، وكشف الموفق عن رأسه وقال: أنا الغلام الهاشمي. ثم دارت الدائرة على يعقوب، فانهزم أقبح هزيمة، واتبعهم الموفق وموسى بن بغا فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، وأطلق عليهم الماء فغرق أكثر ممن قتل. وكان محمد بن طاهر معه مثقلاً بالحديد، فأطلق من حديده وخلع عليه وأنزل دار عمه محمد بن عبد الله ابن طاهر، ورد إليه عمله بخراسان وأطلق له خمسمائة ألف درهم. ورجع المعتمد إلى بغداد، وسار الموفق إلى واسط، وعقد لعبيد الله على الحرمين.

وورد الخبر بموت يعقوب بن الليث وقيام أخيه عمرو، وأخذت البيعة على عمرو وقلد خراسان وفارس وكرمان وسجستان وأصبهان والسند. وكتب عمرو إلى عبيد الله بن عبد الله بتوليته الشرطة خلافة له، ووجه إليه بخلع وعمود ذهب، وأمضى الموفق ذلك وخلع على عبيد الله أيضاً.

ومات سليمان بن عبد الله بن طاهر، سنة ست وستين ومائتين في المحرم. فوقف أخوه عبيد الله على قبره متكئاً على سيفه، وقال.

النفس مني ترقى في مراقيها ... ودمعة العين تجري في مجاريها

لبقعة ما رأت عيني كقلّتها ... ولا ككثرة أحباب ثووا فيها

ثم استخلف صاعد بن مخلد أبا عبد الله محمد بن طاهر بن عبد الله ابن طاهر على مدينة السلام، في سنة سبعين ومائتين، فقبض على عمه عبيد الله وحبسه. ثم استخلف المعتضد غلامه بدراً على مدينة السلام، وانقرض أمر الطاهرية منها ومن خراسان.

وكان لسليمان شعر مليح وأدب وفهم ومعرفة. وأما عبد العزيز بن عبد الله بن طاهر، فكان أصغر من أخويه، وكان له أدب وفهم وشعر مليح. فمن شعره إلى أخيه عبيد الله، وكان أخواه عبد الله وسليمان حساه.

قد كنت أحسب أني منك إن نزلت ... إحدى النوائب بي آوي إلى جبل

حتى إذا وقع الأمر الذي وجبت ... في مثله نصرتي من غير ما فشل

أسلمتني لخطوب الدهر تلعب بي ... ما هكذا كان تقديري ولا أملي

لو كنت في بلدٍ نائي المحل لما ... باليت عثرة أيامي ومثلك لي

إني أخوك الذي قد كنت تألفه ... ما حلت عن عهدكم يوماً ولم أزل

إني أخوك وإن الله مطّلعٌ ... على السرائر، فاقطع بعد أو فصل

ومن شعره أيضاً إلى أخيه لما حبس، وكان تهم بأنه كاتب السجستاني، فكتب من الحبس يحلف على بطلان ذلك، وكتب آخر الرقعة بهذه الأبيات:

تقول وقد ريعت سُليمى بمحبسي ... كما راع ثكلٌ فاجعٌ أم واحد

أبى الدهر إلا أن ينوبك صرفه ... كعادته النكراء في كل ماجد

فقلت لها: غضي عليك فإنما ... تصيب الرجال صائبات الشدائد

ولا تعجبي للحبس ويحك واعجبي ... لانكر ما حدثته في المشاهد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015