وأظهر الأمير بلكين نشاطًا واسعًا وعملاً دؤوبًا, وكان محافظًا على تبعيته للعبيديين وولائه للمذهب الإسماعيلي الباطني, إلا أنه لم يتشدد هو والأمراء الذين جاءوا بعده بمطالبة الناس بالتشيع, فانفسح المجال نسبيًا أمام علماء أهل السنة لنشر السنة, وبدأت الحياة العلمية تعود إلى المساجد والكتاتيب شيئًا فشيئًا, غير أن تلك المظاهر الرسمية من التبعية لحكام مصر والدعوة لهم على المنابر كانت تقلق العلماء, وأسهمت في إيجاد هوة عميقة بينهم وبين حكام بني زيري, فمضوا في محاربة هؤلاء الحكام الذين لم يكونوا متحمسين للدعوة الإسماعيلية, والتف أهل الشمال الإفريقي حول علمائهم, وواصلوا مقاطعة الدولة, غير أن هؤلاء الحكام لم يستطيعوا الإعلان بموافقة علماء أهل السنة خوفًا على سلطانهم, وأحس أهل القيروان بذلك فراح علماؤهم يعملون جاهدين على نشر السنة وآراء السلف, فعجت حلقات العلماء بطلاب العلم في القيروان من جديد, وكثرت المؤلفات في بيان دين الإسلام الصحيح, وكان التخلص النهائي من أتباع العبيديين, وانتصار أهل السنة على الروافض في الشمال الإفريقي على عهد الأمير السني والسيف القاطع والطود المنيف الأمير المعز بن باديس.
* * *