عبدي باشا النيشاني أنه يريد القدوم الى دار المملكة وأنه لم يتفق له رؤية زينة بها مدّة عمره وأمره بالنداء لتهيئة زينة اخرى إذا قدم فوقع النداء قبل قدوم السلطان باربعين يوماً وتهيأ الناس للزينة ثم قدم السلطان فشرعوا في التزيين وبذلوا جهدهم في التأنق فيها واتفق أهل العصر على أنه لم يقع مثل هذه الزينة في دَوْر من الأدوار، وكنت الفقير إذ ذاك بقسطنطينة وشاهدتها ولم يبق شيء من دواعي الطرب إلا صرفت إليه الهمم ووجهت إليه البواعث، واستغرقت الناس في اللذة والسرور، واستوعب جميع آلات النشاط والحبور، وفشت المناهي وعلمت العقلاء أن هذا الأمر كان غلطاً وأن ارتكابه كان جرم عظيم، وما أحسب ذلك إلا نهاية السلطنة وخاتمة كتاب السعادة والميمنة، ثم طرأ الانحطاط وشوهد النقصان وتبدل الربح بعدها بالخسران ... ) (?).
وفي سنة تسعين وتسعمائة للهجرة احتفل السلطان مراد بن سليم الثاني بختان ولده السلطان محمد وضع لذلك فرحاً لم يقع في زمن أحد من الخلفاء والملوك وامتدت الولائم والفرحة واللهو والطرب مدة خمسة وأربعين يوماً وجلس للفرجة في دار إبراهيم باشا بمحلة آت ميدان وأغدق النعم العظيمة ورأيت في تاريخ الكبريّ أنه جعل صواني صغاراً من ذهب وفضة وملأ الذهب بالفضة والفضة بالذهب وألقى في ذلك لأرباب الملاهي وغيرهم من طالبي الإحسان (?).
وهذا انحراف خطير عن المنهج الذي سارت عليه الدولة في زمن قوتها وصولتها وتمكينها وكانت من وصايا محمد الفاتح لولي عهده (واحرس اموال بيت المال من أن تتبدد)، (ولاتصرف أموال الدولة في ترف أو لهو وأكثر من قدر اللزوم؛ فإن ذلك من أعظم أسباب الهلاك)، فكان من الطبيعي بعد هذا الانحراف الخطير والأنغماس في الترف واللهو والشهوات أن تزول الدولة بعد ضياع مقومات بقائها.
عاشراً: الاختلاف والفُرقة:
إن سنة الله تعالى ماضية في الأمم والشعوب لاتتبدل ولا تتغير ولا تجامل، وجعل الله سبحانه وتعالى من اسباب هلاك الأمم الاختلاف وقال - صلى الله عليه وسلم -: (فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) وفي رواية (فأهلكوا) (?).
وعند ابن حبان والحاكم عن ابن مسعود: فإنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف (?).
قال ابن حجر العسقلاني: وفي الحديث والذي قبله الحض على الجماعة والألفة والتحذير من الفرقة والاختلاف (?).