إن النظرة الفاحصة في تاريخ الأمم واستقراء أحوالها تبين لنا أن التقليد بين أمة وأمة، وبين قوم وقوم، يحدث بينهما من التشابه والتفاعل والانصهار، مايضعف التمايز والاستقلال في الأمة المقلِّدة ويجعلها مهتزة الشخصية، واقتضت سنة الله في خلقه أن الأمة الضعيفة المغلوبة تعجب بالأمة القوية المهيمنة الغالبة (?) ومن ثم تقليدها فتكسب من أخلاقها وسلوكها وأساليب حياتها، إلى أن يصل الأمر إلى تقليدها في عقائدها وأفكارها وثقافتها وأدبها وفنونها، وبهذا تفقد الأمة المقلِّدة مقوماتها الذاتية وحضاراتها - إن كانت ذات حضارة - وتعيش عالة على غيرها.

وإذا لم تستدرك الأمة المغلوبة أمرها، وتتخلص بجهودها الذاتية وجهادها من وطأة التقليد الأعمى فإنه - ولابد - أن ينتهي بها الأمر إلى الاضمحلال والاستعباد وزوال الشخصية تماماً، فتصاب بأمراض اجتماعية خطيرة من الذل والاستصغار والشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس، أضف إلى ذلك كله التبعية السياسية والاقتصادية والانهزامية في كل شيء وبالنسبة للأمم الربانية ذات الرسالة الإلهية - كالأمة الإسلامية - فإن تقليدها لغيرها يصرفها عن رسالتها ويصرف جهدها وطاقاتها عن دين الله ويرهقها بالبدع والخرافات ومالم يشرعه الله من النظم والقوانين، والأمراض الخلقية مما يؤدي بها في النهاية إلى التخلي عن رسالتها ومن ثم الولاء للكفار والطواغيت وهذا إيذان ببطش الله وعقابه، كما ورد في قصص القرآن عن أمم كثيرة من هذا النوع، والأمة اليوم واقعة بما وقعت فيه تلك الأمم من التقليد الأعمى للكفار والتخلي عن رسالة الله والتبعية والولاء للكافرين في كل شئون الحياة، والحكم بغير ما أنزل الله واستباحة الزنى والربا والفجور، ومع هذا مازالت تمنُّ على الله بإسلامها (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015